وكالات - الكاشف نيوز : يعد هذا الشاطئ المزدحم على البحر الأبيض المتوسط بعيدا جدا عن الغرف المغلقة التي يجلس فيها المفاوضون الإسرائيليون والفلسطينيون الذين يجرون أول مباحثات سلام حقيقية منذ سنوات.
ولكن بينما يستعد وزير الخارجية الأميركي جون كيري لتقديم تفاصيل أطر مقترحات السلام المقترح علانية، تبقى مشكلة المنطقة المعزولة والمحاصرة التي يطلق عليها قطاع غزة واحدة من الأمور التي قلما يجري ذكرها داخل غرفة المفاوضات، حيث يعتبر هذا الأمر بمثابة عقبة كبيرة تقف في طريق تحقيق تسوية دائمة لهذا الصراع الدائر رحاه منذ عقود من الزمان.
اقتصرت جهود كيري على تحقيق السلام للفلسطينيين في الضفة الغربية - وهي الأرض الواقعة على الجانب الآخر لإسرائيل – حيث يتوقع إبرام اتفاق من خلال القيادة المعتدلة هناك. يخضع الفلسطينيون في قطاع غزة لحكم حركة حماس الإسلامية التي تعارض إجراء مباحثات مع إسرائيل، كما أن الولايات المتحدة الأميركية تعتبر حماس واحدة من المنظمات الإرهابية. ولا تعتبر هذه المشكلة جزءا من المفاوضات.
ويعني هذا الأمر أنه في حال إمكانية التوصل إلى اتفاق في الوقت الحالي، فإن سكان قطاع غزة البالغ عددهم 1.6 مليون شخص – أي نحو 40 في المائة من عدد السكان الأراضي الفلسطينية - سيكونون غير مرحب بهم.
وقال المستشار الأميركي أرون ديفيد ميلر، الباحث في شؤون الشرق الأوسط بمركز ويلسون، «تعتبر قضية غزة وحماس من المعضلات الحقيقية التي تواجه عملية السلام. فلا يمكنك التوصل إلى اتفاق لإنهاء النزاع دون التطرق إليهما، ولا يمكنك أيضا فعل أي شيء تجاه تلك القضية».
وأضاف ميلر، الذي شارك في مفاوضات السلام المتعثرة التي لعبت فيها مشكلة غزة دورا محوريا، «لا يتحدث أحد بشأن غزة وحماس لأنه لا توجد أدنى فكرة لدى أي شخص لمعرفة كيفية التعامل مع التحديات التي تتسبب فيها هذه القضايا».
بدأت المفاوضات في فصل الصيف في ظل ضغط كبير من جانب الولايات المتحدة، ومن الممكن أن تصل تلك المفاوضات قريبا إلى مرحلة من المراحل المهمة. ومن المتوقع أن يضع كيري معالم ما يسميه اتفاق الإطار للتوصل إلى اتفاقية نهائية خلال أسابيع، ومن المحتمل أن يكون ذلك خلال أحد خطاباته التي سيلقيها في إسرائيل.
وفي حال الموافقة على الشروط من جانب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فسيبدأ الطرفان مفاوضات رسمية بشكل أكبر لمناقشة قضية الحدود بين إسرائيل والضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، بالإضافة إلى التفاصيل الأخرى النهائية فيما يخص إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
تعتبر الترتيبات الأمنية لإسرائيل وحزم التنمية الاقتصادية والدعم المالي الدولي للفلسطينيين من الأمور المرتبطة بالمباحثات، بيد أن المفاوضات تقتصر على الضفة الغربية.
ومن جانبه، قال محمود الزهار، أحد المتشددين المؤسسين لحركة حماس، إن «المفاوضات مع إسرائيل بشأن إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعتبر بلا جدوى».
وفي المقابلة التي أجريت معه، أوضح الزهار «أن إسرائيل لا يجري ممارسة أي ضغوط عليها، وعلى الجانب الآخر نجد أن أبو مازن ضعيف وليس لديه سلطة لمقاومة الأميركيين».
تنبأ الزهار بأن ترفض إسرائيل المطالب الفلسطينية المحورية بما في ذلك إمكانية عودة اللاجئين الذين تركوا عائلاتهم ومنازلهم وأراضيهم. وقال أيضا إنه «يشكك في سماح إسرائيل بوجود اتصال مادي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث إن المنطقتين معزولتان من خلال وجود أميال بينهما من الأراضي الإسرائيلية».
وأردف الزهار قائلا «بناء على ذلك، ستكون الحالة أسوأ مما عليه الوضع الحالي. لن تكون حماس هي الوحيدة التي ترفض هذا الأمر فحسب، بل سيرفضه الشعب أيضا».
ليس من الواضح ما إذا كان لدى عباس السلطة الدستورية لتوقيع الاتفاق، سواء بالنيابة عن الضفة الغربية وحدها أو جميع الفلسطينيين، أم لا. ومن غير الواضح أيضا كيف سيقوم الفلسطينيون بالتصديق على أي اتفاق من خلال إجراء استفتاء مع الوضع في الاعتبار حالة الانشقاق السياسي الشديد بين الفلسطينيين.
ويتساءل جوناثان تشانزر، الباحث في شؤون الشرق الأوسط بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، قائلا «هل سيعتبر ذلك أمرا مشروعا في ضوء موقفه الضعيف كرئيس؟».
وتابع تشانزر حديثه قائلا «هناك سؤال آخر وهو: ما هي المدة التي ستستمر فيها هذه الاتفاقية في حال اعتمادها على فترة قيادته؟» وفي المقابل، يقول المسؤولون الأميركيون، إن «كيري يتعامل مع عباس، المعتدل، لأنه هو الزعيم الفلسطيني الوحيد الذي من المحتمل أن يبرم الاتفاق، كما أنه الشخص الوحيد الذي يمكن للقادة الأميركيين والإسرائيليين الدخول في مفاوضات معه بصورة حقيقية. ومثلما هي الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، تعتبر إسرائيل حماس على أنها جماعة إرهابية تدعمها إيران بشكل جزئي».
تتمثل الفكرة التي تطرحها الولايات المتحدة الأميركية في أن سكان غزة سيريدون الحصول على نفس المزايا الناتجة عن الاتفاق وسيجبرون قادتهم على المشاركة في المفاوضات أو استبدالهم بآخرين. وفي هذا الصدد، أوضح الرئيس أوباما هذه الاستراتيجية في خطابه في شهر ديسمبر (كانون الأول) أمام مركز سابان التابع لمؤسسة بروكينغز.
تحدث أوباما بشأن «إحدى السبل لتحقيق السلام، حتى ولو كان هذا الأمر مقتصرا على قضية الضفة الغربية بصورة مبدئية».
وقال أوباما: «إذا كان هناك نموذج يتطلع إليه الشباب الفلسطيني في غزة ويرونه موجودا في الضفة الغربية، فإن الفلسطينيين قادرون على العيش بكرامة مع تمتعهم بحق تقرير المصير. وأرى أن هذا الأمر هو الذي سيرغبه الشباب في غزة».
واعترف دبلوماسي أميركي بارز - على دراية بتلك المباحثات – بأنه من الغريب مناقشة مصير مستقبل فلسطين دون التطرق إلى قضية غزة وطرحها على مائدة التفاوض، بيد أنه أكد أن منظمة التحرير الفلسطينية التابعة لعباس – والتي تهدف إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة – تمثل جميع الفلسطينيين.
يطلق عباس على نفسه أنه الزعيم المنتخب لجميع الفلسطينيين على الرغم من الانقسام والاختلاف مع حماس منذ فترة طويلة.
ويقول المسؤول الأميركي إنه يمكن تنحية قضية غزة جانبا لفترة قصيرة وطرحها لاحقا في مباحثات السلام لأن القضايا الأشد صعوبة من موضوع الانقسام السياسي - مثل وجود المستوطنين اليهود والنزاع بشأن الحدود – لا تنطبق إلا على الضفة الغربية.
وتحدث المسؤول الأميركي بشرط عدم الكشف عن هويته لأنه من المفترض أن تكون تفاصيل المباحثات سرية.
وتعتمد الولايات المتحدة الأميركية أيضا على حالة الضعف الحالية لحماس، حيث تحاول أن تحكم القطاع في ظل وجود قيود إسرائيلية كبيرة ومن دون الدعم القوي للرئيس المصري المخلوع محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين التابعة له.
ورفض باسم نعيم، مستشار الشؤون الخارجية لرئيس حركة حماس إسماعيل هنية، هذه الآمال الأميركية.
وقال نعيم إن «أي مباحثات لا تضع قضية غزة في اعتبارها ستبوء بالفشل. ويعتبر أوباما قضية غزة على أنها قضية فرعية، كما يعتقد أن غزة وحماس ليسا في بؤرة الأحداث لأننا لا نشارك في هذه المفاوضات. إن هذا الأمر يعكس وجود نوع من السذاجة بسبب اعتماد نسبة نجاح أو فشل الجهود على قضية غزة».
ويقول نعيم وآخرون إن «حماس تريد الاحتفاظ بسيطرتها على قطاع غزة وتعزيز سلطتها والخروج من عزلتها الدبلوماسية الحالية والأزمات الاقتصادية».
واختتم نعيم حديثه بأن حماس قد تقبل – على أكثر تقدير – وجود هدنة طويلة المدى مع إسرائيل «وتسمح للجيل القادم بإعادة التفكير بشأن هذا الصراع».