أخر الأخبار
الرزاز بين الورود والميّ
الرزاز بين الورود والميّ

حين شاهدت صورة رئيس الحكومة «متربع» على فرشة، وحوله معزبين من مزارعي الغور الأوسط، خطرت في بالي أغنية زكي ناصيف القديمة «ندّي النسايم يا هوا ..نسّم علينا شوي، إحنا وحبايبنا سوا..بين الورود والمي»، وفي مثل هذه الحالات الموسيقية أتواصل على الفور مع الموسيقي محمد واصف، لكنني كنت أعلم بأن ابو واصف «تسلل» خلسة الى الإمارات ليقدم عملا فنيا هناك، لا أعرف عنه شيئا، لكنني أعتقد بأنه «أوبريت» له علاقة بجائزة الشيخ زايد، والتي قدمت دعما للأردن مقداره مليون درهم دعما لمهرجان التمور الأردنية الذي جرى في اكتوبر الماضي، وشارك فيه محمد واصف بتقديم أوبريت غنائي عن التمر والعجوة..وكان عملا «عاديا بصراحة»، فأنا يمكنني أن أتحدث عن نقد الموسيقى..فهل السؤال والمقال عن محمد واصف و «زرقته» على الإمارات؟..بالطبع لا، فحساب محمد بعدين، أما حساب الرزاز فهو يتعزز ببناء رصيد أعتبره جديدا، ومنطقيا ومطلوبا، حين يبين اهتمام الحكومة بالزراعة ودعمها..
لن أتحدث عن مناسبة رسو أغنية زكي ناصيف في ذاكرتي، فالسبب يعرفه محمد واصف، لكن سأتحدث عن موقف الحكومة من الزراعة، فهي ربما تعلم أن هذا القطاع يشكل البنية التحتية الفعلية لعملية التنمية، وسواء شئنا أم أبينا فبلدنا زراعي، وهذه حقيقة تتطلب منا جميعا الاعتراف بها والاستفادة منها وتفعيلها وترجمتها في حياتنا ونهضتنا المعلنة، لأن مائدتنا الأردنية كلها منتجات نباتية وحيوانية وماء، وهذا هو المحور الأول في واجب الدولة الذي تقوم به وزارة الزراعة..أعني «تأمين غذاء نظيف ومناسب» وتحقيق أمن غذائي واكتفاء ذاتي، وهي عملية لا تتم إلا بوجود المواطن المزارع، الذي استطاع أن يثبت حتى هذا الوقت في أرضه، ويحتمل شحّ المياه ومشاكل التسويق وتضارب السياسات والاستراتيجيات..الخ.
نحن نعلم أن الماء عماد الحياة، ونعلم بأن الأردن من أفقر الدول مائيا، لكن المزارع في الأردن تمكن من تحقيق النجاح رغم هذا النزر اليسير من الماء، وسبق أن تحدثنا عن رئيس لدولة افريقية فيها 3 أنهار، لكنه جاء ليطلع على قصة النجاح الأردنية في الاستخدام الأمثل للماء الشحيح وتحقيق انتاج يفوق انتاج الدولة التي تعوم على الماء..
ليس فيضان الماء من سد الملك طلال هو سبب زيارة الرزاز للغور الأوسط، وإن كان قد أكد دعم الحكومة للمزارعين بتعويضهم، وهم الذين تضررت مزارعهم من تسريب مياه سد الملك طلال، الذي امتلأ بسبب الموسم المطري الممتاز فوجب التخلص من مياهه الزائدة، فهذا موقف حكومي سبق لوزير الزراعة ووزير المياه التعهد به خلال 24 ساعة من تسريب مياه السد، حيث عملت طواقم الزراعة والمياه وغيرها من الجهات المعنية ومنذ 24 ساعة قبل فتح بوابات السد، وقامت بتحذير كل الناس أصحاب المزارع الذين تقع مزارعهم بالقرب من مجرى الماء المتدفق خارج السد، وتمكنوا من حصر الأضرار، وقرر وزير الزراعة تعويض المزارعين، لكن السبب الأهم الذي دفع الرزاز للتوجه إلى الغور، يكمن في تأكيد اهتمام الحكومة بالقطاع الزراعي، بهمّة ميدانية ديناميكية  لا تحتمل التسويف والمماطلة والتأجيل، وهي «الحكومة» تتبني استراتيجية كبيرة لتحسين أداء هذا القطاع لتعود آثاره الإيجابية على المزارع وسائر المنظومة التي تعتمد على الزراعة في البلاد.
أجندة وزارة الزراعة كبيرة ولا يمكن حصرها وتفصيلها في مقالة، وقد حقق الأوائل من المزارعين والمستثمرين والمسؤولين نتائج طيبة، لكنها غير كافية، ويمكن تحقيق نتائج أفضل، وفق رؤية الحكومة الحالية حين يجري تغيير أنماط وثقافات وإجراءات، سواء على صعيد المزارع المنتج أو التاجر والمستثمر أو المستهلك، فقد أثبتت الأحداث والمواقف بأن تمسكنا بالزراعة والانتاج المحلي هو الضمانة الأكيدة لاستقرارنا وأمننا الغذائي، وأن التنمية في أغلب القطاعات وإيجاد آفاق جديدة للانتاج وخلق فرص عمل مهمة، تعتمد بشكل أساسي على تحسين مخرجات القطاع الزراعي، الذي يحقق النسبة الأكبر في الناتج الإجمالي، حيث أن مخرجاته هي مدخلات قطاعات أخرى، وكذلك نقول عن مدخلاته، فهي بحد ذاتها استثمارات بالنسبة لقطاعات أخرى..
الرزاز بين أن دعم المزارعين عنوان مهم من عناوين الحكومة، تترجمه المساعي الحكومية والاجراءات التي تقوم بها وزارة الزراعة، والتي أصبحت تظهر للعيان شيئا فشيئا، مع تأكيدنا بأن أزمات وتحديات كبيرة تواجه القطاع والوزارة، لكن أغلبها وأثقلها يأتي من الاقليم وأزماته، وهذا يدفع الحكومة الى إطلاق التفكير والعمل على إيجاد البدائل.