تعددت أسماء ونُعوت الوطن العربي منذ تحوّل الى خريطة على الجدار أو على موائد التقسيم فهو الوطن الاكبر والوطن الواحد والوطن الأم، لكنه كان على موعد بعد قرن من سايكس بيكو ليصبح الوطن المفخخ، شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً ومن أعلى ومن أسفل، فبعد أن شحت الكهرباء فيه إما لتدمير البُنى التحتية أو لارتفاع الثمن أصبحت الساحات والميادين والشوارع تضاء بنيران التفخيخ وبما يتصاعد من لهب الأماكن المحترقة خاصة إذا كانت مراكز أبحاث أو مكتبات، لأن النار تحب الورق، وهناك من أسلافنا الكبار من تولوا إحراق كتبهم بأنفسهم كما فعل أبوحيان التوحيدي أو كما قال ابوسليمان الداساني حين جمع كتبه وأحرقها في تنّور أو كما كتب أبوسفيان النوباني عندما أحرق كتبه:
«ليت يدي قُطعت من ها هُنا
بل من ها هُنا ولم أكتب حرفاً
فالأحفاد لم يعودوا أمناء على ميراث الاجداد، لهذا أصبحت المتاحف في مهب عواصف التهريب والنهب وكذلك الجامعات، لقد بدأت هذه الدراما التي يتصاعد منها الدخان بتفخيخ سيارة واحدة، ثم تحولت الى نمط حياة هي دون الموت وأخيراً اصبح الوطن كله مفخخاً، فلا ندري متى ينفجر وتلتقي سلاسل جبال بقيعان أنهاره الجافة؟
ما نخشاه ان يأتي يوم يصبح التدخل العسكري بل الاستشراق العسكري فيه ليس دفاعاً عن الحرية ولا من أجل الديمقراطية، بل ذريعة حماية الآثار والمتاحف التي لم تعد آمنة.. ففي مصر وحدها ثلث آثار وأطلال هذا الكوكب، وعثر مؤخراً على ألفي قطعة اثرية في منزل فلاح بانتظار التهريب والبيع، وسورية ودعت قلاعها وتماثيل شعرائها بعد أن اصبحت اطلال الاطلال، اما العراق فقد كان سباقاً عندما بعثرت احشاء متاحفه على الارصفة وما من حاسوب لدينا كي يحصي ما سرق وهرب وبيع من تلك الكنوز.
تفخيخ الاوطان اختراع جديد يضيفه عرب هذا الوقت الى ما اخترعوا ذات خريف قومي من حروب الطوائف وأيام العرب الأولى، فما يحدث الآن ليس طارئاً او نبتاً شيطانياً، بل جذور لدى الغساسنة والمناذرة والأوس والخزرج وقيس ولبنى وبني أسد وبني أنف الناقة!
كأن كل هذا التطهير لا يكفي وكل هذا الارتهان لا يكفي، فالعرب مهددون الآن بالظمأ والجوع والتشرد لأنهم يبكون على ملك ضاع لم يحافظوا عليه مثل الرجال، فغرناطة الآن خريطة جافة بين ماءين، والخيول المدبرة تبتلع صهيلها مع الريق على تخوم انهيار متسارع!