فيما تتجه انظار المراقبين الى اقتراب عملية عسكرية من الجبهة الجنوبية لسوريا، يبدو السؤال عن الدور الاردني المتوقع بلا اجابات واضحة حتى الآن ، وحتى لو أخذنا بعين الاعتبار موقف ( النأي) بالنفس الذي التزمت به عمان منذ اكثر من عامين من بداية الازمة السورية ،فإن ما حدث بعد فشل (جنيف) دفع الاطراف التي راهنت على ( حل) سياسي يفتح المجال لمرحلة (حكم انتقالي) الى الاستعانة بعملية عسكرية محدودة ومؤثرة ، هدفها الاساسي ( تحريك) المفاوضات من خلال كسر الاستعصاء الذي حاول النظام السوري استخدامه لإطالة امد الصراع او اقناع العالم بأنه يواجه حربا ضد (الارهاب) لا ثورة شعبية .
لم يتردد النظام السوري - بالطبع- عن اعلان مخاوفه من قيام واشنطن باللجوء الى تنفيذ خطة قديمة في إطار (تصحيح) موازين القوى بين النظام و المعارضة المسلحة، وهذه الخطة تعتمد على ( تسخين) الجبهة الجنوبية لسوريا من خلال الدفع بقوات مدربة تنطلق من درعا لتهديد العاصمة السورية وحصارها ، مما يسمح بإقامة ( منطقة) حدودية تتزامن مع منطقة حظر جوي ، وفي حال نجاح الخطة فإن النظام السوري سيكون امام خيار وحيد وهو التوجه الى ( جنيف 3) و القبول بالبند الثاني الذي يتعلق ( بالحكم) الانتقالي، بما يتضمنه من موافقة على بقاء النظام مع تجريد الاسد من صلاحياته وتشكيل حكومة تشارك فيها المعارضة تمهيدا لاعداد دستور جديد و اجراء انتخابات برلمانية و رئاسية .
وسط هذه ( المستجدات) يجد الاردن نفسه محاصرا ، بالعديد من الاسئلة ، فهو يدرك ان بقاءه في المنطقة الرمادية قد يضرّ بمصالحه وعلاقاته مع حلفائه ، كما يدرك ان تقديم الدعم اللوجستي ، ناهيك عن المشاركة المباشرة ، سينقل ( شرارة) الحرب الى داخله ، زد على ذلك ان المخاوف الاردنية من الجماعات الاسلامية المسلحة التي تمددت على حدوده ونجحت في اختراقها احيانا تصاعدت لدرجة دفعت عمان الى منع (المقاتلين ) الذين خرجوا من اراضيه بالعودة الى الاردن مع فرض اجراءات امنية و قانونية للحدّ من انتقالهم الى سوريا مجددا.
امام الاردن ثلاثة خيارات سياسية، لكل منها ثمنه، الاول هو المشاركة بشكل مباشر في ( تسخين الجبهة)، والكلفة المتوقعة هي ( التورط) في حرب مجهولة النتائج، واعطاء النظام السوري المبرر ( للعبث) بالداخل الاردني ، سواء من خلال الردّ المباشر ، او تحريك ( الخلايا)النائمة، او دفع المجموعات المسلحة الى داخل الحدود الاردنية، اما الخيار الثاني فهو ( التدخل ) المتوازن ، وذلك من خلال (الابقاء) على معادلة ( الدعم) لطرفي الصراع، و الحفاظ على قنوات ( الاتصال ) معهما، وهذا يضمن وجود دور اردني في اطار الحفاظ على المصالح و في اطار عدم استعداء الطرفين وعدم ( الصدام) مع الحلفاء، لكن كلفته قد تكون كبيرة ، في حال رجحان كفة اي من طرفي الصراع ، فالنظام قد يغامر - مثلا- بالردّ في حالة احساسه بالانكسار امام المعارضة ، و العكس صحيح ايضا، كما ان من غير المتوقع ان يتمكن الاردن من ( إمساك) العصا من الوسط في هذه المرحلة بالذات ، لان (تسخين) الجبهة الجنوبية يعني بالضرورة ان تكون الحدود الاردنية منطلقا للعمليات .
يبقى الخيار الثالث وهو ( النأي) بالنفس تماما ، وعدم ( التورط) بأي شكل من الاشكال في العملية العسكرية ، ومع انه-نظريا- يبدو خيارا مفضلا،وكلفته قليلة نسبيا ،إلا انه -عمليا- يبدو صعبا، فالاردن لا يستطيع ان يبقى متفرجا على ( النيران) التي تشتعل على حدوده ، كما ان ضغوط حلفائه لا تترك له مجالا اوسع ( للمناورة) السياسية ،ومع انه يدرك ان هوية الصراع اصبحت محددة ( مذهبيا وطائفيا) ويمكن ان تتطور لتصبح ذات صبغة دولية ، الاّ ان حسابات امتدادها - شارك ام لم يشارك- لن تتوقف عند حدود الجيران كلهم ، ومن ضمنها حدوده ، و بالتالي فإن مواجهتها مع وجود ظهير افضل من مواجهتها بصورة( انفرادية).
اعرف ان ثمة تفاصيل اخرى يمكن اضافتها ( كتقدير موقف) لكل خيار ، ومن حيث الاهداف و النتائج ، إيجابا وسلبا ، كما اعرف ان ثمة ( اعتبارات) عابرة للتقديرات و التحليلات التي يمكن طرحها هنا ، لكن لوسألتني عن افضل خيار لقلت انه الخيار (الثالث ) وهو عدم التدخل - ما امكن- في اية عملية عسكرية ،لانه ببساطة لامصلحة لنا بها ، و لا يوجد ضمانة للخروج منها بسلامة ، لأننا لا نعرف من سينتصر بها ، و لا نعرف الى متى ستستمر ولا الى اين ستفضي نتائجها ،كما اننا لايجوز ان نغامر بعلاقاتنا مع محيطنا لمصلحة دولة او اكثر مهما كان وزنها ، و لا ان نغامر ( بوحدتنا) وامننا الداخلي لحساب ( تسخين) جبهات قد ينجح في تحريك قطار المفاوضات وقد يفشل في ذلك .