أخر الأخبار
غزة .. والقادم الأسوأ
غزة .. والقادم الأسوأ

منذ سنوات وإسرائيل تلف حبل حصارها الظالم حول عنق غزة؛ وبين الفينة والأخرى وبهدنة مؤقتة تسمح اسرائيل لغزة حكاما ومحكومين بأخذ أنفاس محسوبة عليهم وتعود وتشدد حصارها؛ واليوم حركة حماس الحاكمة لغزة تعتقد بأنها بتلك الهدنة المؤقتة ستفك الحبل بدون دفع أثمان سياسية استراتيجية خاصة فى هذه الأوقات الحرجة؛ وهى مراهنة على التوقيت الحساس التى تمر به إسرائيل عشية الانتخابات الاسرائيلية وعدم قدرتها على اتخاذ قرار بمواجهة شاملة طويلة الأمد .

وبالرغم من حساسية التوقيت الحالى؛ يجب أن نعى قاعدة هامة وهى أن اسرائيل تتبنى استراتيجية طويلة الأمد فى التعامل مع غزة؛ وتستند لموازين قوة ثابتة تميل لصالحها، بينما حركة حماس تتبنى تكتيكات مؤقتة وارتجالية ولا تستند إلى أى متغير فى معادلة ميزان القوة والذى قد يكون فى صالحنا مستقبلا، وعليه إسرائيل التى نجحت فى لف حبل حصارها على عنق غزة وإحكام عقدته لن تفك هذه العقدة إلا عبر اتفاق استراتيجى يحقق لها أهداف استراتيجية بعيدة المدى؛ وأهم تلك الأهداف أولا نزع سلاح غزه الثقيل المتمثل فى القدرة الصاروخية العملية والمعرفية وذلك بالسلم أو الحرب، وثانيا بقاء الخزان الديمغراقي الغزى بمعزل عن باقي فلسطين التاريخية؛ وهذه الأهداف الاستراتيجية ليست متعلقة بمن يتولى رئاسة الوزراء فى اسرائيل بقدر ما هى استراتيجية حيوية تتفق عليها المؤسسة العسكرية والأمنية والسياسية فى اسرائيل وملزمة لكافة الأطياف الحزبية فى اسرائيل. وبالتالى فإن تأجيل المواجهة اليوم عبر هدنة مؤقتة ليس إلا تأجيلا مؤقتا واسترتيجيا من قبل إسرائيل لحسم وضع غزه استراتيجيا وإلى الأبد؛ وفك الحبل من على عنق غزه ليس له علاقة بمن سيحكم إسرائيل بعد التاسع من إبريل القادم بقدر ماله علاقة بكيف سيتعامل من يحكم غزه مع تلك الأهداف الاستراتيجية الاسرائيلية؛ والتى هي جزء من أهداف إسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية عبر ما يعرف بالتسوية الأمريكية المعنونة بصفقة القرن؛ والتى جوهرها محو الهوية الوطنية الفلسطينية عبر تجزئة الوجود الفلسطينى فى فلسطين التاريخية تحت مسميات سياسية تخلو من عبارة فلسطين؛ ففي الضفة الغربية والقدس السكان العرب في يهودا والسامر؛ وفى داخل الخط الأخضر هم عرب اسرائيل؛ أما فى غزه فهم شعب غزه وهذه العبارة الخبيثة تحديدا(شعب غزه) ودأب الاعلام الاسرائيلي على ترديدها منذ فترة؛ وللأسف تنساق بعض وسائل الاعلام العربية والفلسطينية كذلك على ترديدها؛ وهي فى الأساس تنطوى على مفهوم استراتيجى اسرائيلى عميق ستتضح معالمه بعد إعلان الادارة الامريكية خطتها للسلام الشهر المقبل؛ والتى من المؤكد أنها ستشكل صدمة للكل الفلسطينى ليس فيما يتعلق بكسر كل قواعد حل الصراع طبقا لقرارات الشرعية الدولية بل بمكانة قطاع غزه الاستراتيجية فى تلك التسوية مقارنة بمكانة الضفة الغربية، وإذا ما علمنا أن الإدارة الأمريكية قد جمعت مبدئيا خلال العام الماضي في مؤتمرين دوليين لإنقاذ الوضع الانساني فى غزه ما يقارب 700 مليون دولار ولم ينفق منهم إلى يومنا هذا دولارا واحدا على القطاع الغارق فى مأساته الانسانية؛ والذى يقترب شئ فشئ من المجاعة؛ فمن المنطقي أن نفكر مليا لماذا جمعت الادارة الأمريكية هذا المبلغ  ولماذا لم يصرف منه دولارا واحد حتى الآن على غزة برغم وضعها الانساني المأساوى؛ والذى كان هو شعار المؤتمرين الظاهري، فهل هذا المبلغ مدخر لإعادة إعمار غزه بعد نزع سلاحها بالقوة العسكرية وتدميرها؛ أم هو لرشوة من يحكم غزه وقبوله لتنفيذ الاستراتيجية الاسرائيلية التى هي جزء من صفقة القرن والتى تضم تنفيذ الشرطين سالفي الذكر.

ومواجهة القادم على غزه وعلى القضية الفلسطينية والوجود الفلسطيني فى فلسطين التاريخية برمته من الصعب إن لم يكن مستحيلا على أى فصيل أو مكون سياسيي مواجهته وحده وإسقاطه لأنه بالكاد ونحن مجتمعين ومعنا أحرار العالم أن نستطيع إسقاط تلك المؤامرة الصهيونية اليهودية والصهيونية الانجيلية والتى تستهدف محو فلسطين من أى مسمى لأى شئ فى فلسطين التاريخية، ولهذا فان إنهاء الانقسام الفلسطينى اليوم أصبح ضرورة وجودية للبقاء وعلى الجميع إدراك هذه الحقيقة قبل فوات الأوان، وقبل أن تحولنا إدارة ترامب إلى جماعات لا مستقبل لها ومتشرذمة هنا وهناك .. أفيقوا قبل الفاجعة الكبرى.