عمان - الكاشف نيوز : أفصحت قراءة سياسيين ومراقبين لما حمله حديث جلالة الملك عبدالله الثاني من رسائل أمام رؤساء السلطات الدستورية، وأعضاء المكتب الدائم في مجلسي الأعيان والنواب أول من أمس في المكاتب الملكية بالحمر؛ عن غضبة ملكية، على ما تداعى من تصريحات نخب سياسية، غمز أصحابها من قناة التشكيك بمواقف الأردن الثابتة.
وتجلى في رسائل جلالته خلال اللقاء؛ الوضوح الذي لا يحتمل التأويل، حيال موقف الأردن من ملف التسوية النهائية المُفترضة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
كلام جلالة الملك، وفق وصف بعض من حضروا اللقاء، كان "مباشرا وواضحا وفاصلا"، مشددا على وضع حد لما يسري من إشاعات، تدعي أن "الموقف الأردني من ملف مفاوضات السلام، هش وضعيف وغير قادر على التمسك بمصالح المملكة في أي تسوية نهائية" للقضية الفلسطينية مع الإسرائيليين.
ورأوا أن الغضبة الملكية، كانت توجه اللوم لـ"نخب سياسية محددة، اتسمت بعدم اكتفائها بالتعليق على المواقف الرسمية من الملفات، بل مارست دورا سلبيا، حين شككت بقدرة الأردن على إدارة مصالحها العليا في ملف السلام".
وسبب الانزعاج الملكي، وفق مصادر متطابقة، جاء على خلفية تسريبات من صالونات سياسية، تديرها تلك "النخبة" التي غمزت من قناة التشكيك بتراخي الموقف الأردني، والزعم بأن المملكة تشارك بتقديم تنازلات وطنية في ملفات الوضع النهائي؛ اللاجئين والأمن والحدود والقدس، على وجه التحديد.
وفاحت من تلك التسريبات، ادعاءات بأن "مشروع اتفاق كيري المُفترض، يمهد لإعلان اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين على حساب الأردن، من بوابة الوطن البديل".
المصادر التي حضرت اللقاء، رأت أن "كلام جلالة الملك، كان واضحا في مرماه، حين وجه رسائله لتلك النخبة، التي بدل أن تدعم الموقف الأردني الثابت من ملف السلام، كانت تشيع التشكيك والطعن بصدقية هذا الموقف والتمسك به".
وفي السؤال عن ماهية هذه النخبة المشككة، ذهب مراقبون إلى الاعتقاد بأنها "تنحصر ببعض رجال الدولة ممن هم خارج السلطة اليوم، ويبحثون لهم عن موطئ قدم في زحام المعارضة"، ويضيفون إلى صفهم "إعلاميين ونوابا".
وبالعودة إلى السبب الذي أزعج جلالة الملك، وظهر ذلك جليا خلال اللقاء، وفق حاضرين له، فإن غمز هذه النخبة وما تبثه من تشكيك حول صلابة الموقف الأردني الثابت من العملية السلمية، تبدّى في ما تمارسه من سلبية في شحن الشارع بما تزعمه من شكوك، وطعن بمصداقية الخطاب الرسمي.
ولفت هؤلاء الحاضرون للقاء الملكي، إلى أن المشككين تناسوا موقف الأردن الثابت من القضية الفلسطينية، وتذرعوا بـ"عدم جلوسه حول طاولة المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين"، غامزين بأن هناك استفرادا بالأردن في المفاوضات، لكن تأكيدات مراجع سياسية أردنية عليا، وفي أكثر من مناسبة أكدت أن "الأردن موجود في غرفة المفاوضات"، وهذا ما يعرفه القاصي والداني.
سلبية المشككين هؤلاء، تحمل عواقب وخيمة، لما تقدم عليه بادعاءاتها ومزاعمها، من تعبئة للشارع، لإثارة الفتن وزعزعة استقرار البلاد، وهذا يأتي في ظل ما يعانيه الخطاب الإعلامي الرسمي من أزمات، كتآكل الثقة فيه خلال أعوام مضت، مستغلين هذه الأزمة، لإشاعة سمومهم، وفق مراقب.
وهنا، وجه سياسيون مخضرمون، نقدا مباشرا، لغياب دور الإعلام الرسمي وشبه الرسمي لعدم ارتقائه بتقديم خطاب رسمي متزن وحيوي، يدعم مواقف المملكة الثابتة، حيال ملفات الإقليم وأزماته.
وفي هذا السياق، كان اللقاء غير الرسمي لمجلس الأعيان الذي انعقد أمس، تحت عنوان تحليل تصريحات الملك الأخيرة، بحيث اطلع المجلس على مضمون تلك التصريحات وناقشها.
وقد أكدت مصادر حضرت لقاء الأعيان، أن ما جرى من مداخلات بينهم، تركزت على وجوب أن تأخذ النخب السياسية تصريحات جلالة الملك، وكأنها موجهة لكل واحد منهم، بعيدا عن اللجوء للبحث عن الشخصيات المقصودة في تلك التصريحات.
لذا، فمسؤولية النخبة السياسية، كما أكد عليها أعيان حضروا اللقاء؛ تتمثل بالخروج إلى العلن، والتعبير صراحة عن قناعتها بمواقف المملكة الثابتة حيال الملفات الإقليمية، وبالذات ملفي مفاوضات السلام وتداعيات الأزمة السورية، ومن هنا يتجلى دورها بتبديد ما يسري من إشاعات ومزاعم.
وهذا بدوره، يبرز أهمية الذهاب إلى الرأي العام لاطلاعه على تفاصيل ما يجري في هذا الشأن، ولكن ذلك لن يحقق أي تفاعل جمعي معه، إلا عبر إعادة الاعتبار للإعلام ووسائله، ومن ثم، توقف هذه النخبة السياسية عن الحوارات الهامسة في الصالونات السياسية المُغلقة، والظهور للعلن، للتصدي للمشككين بالمواقف الرسمية الواضحة.
وعلينا أن ندرك أن المشكلة لم تتوقف بغياب دور النخبة السياسية، بل تبلورت في حدوث تحول سلبي لدور بعض أفرادها، عبر انفصالها عما يجب أن تكون عليه من التزام بمواقف الأردن التي كانت هي فاعلة في تثبيتها، لكنها ذهبت إلى شحن الرأي العام بالإشاعات، وبث انطباعات سلبية، تظهر أن المملكة ذات موقف هش، وأنها غير ثابتة على مواقفها الوطنية، ولا تمتلك مقومات الحفاظ على مصالحها العليا، يقول دبلوماسي مخضرم.
هنا لا بد أن يتضح ما خلخلته تصريحات جلالة الملك في واقع السجال الدائر حول مواقف الأردن الإقليمية، وما يجري حولها من تشكيكات، يقدم عليها أشخاص كانوا في قلب الدولة، ولعبوا أدوارا فيها، لكنهم اليوم يلعبون بالافتئات والإشاعة.
نعم، تصريحات جلالة الملك ألقت حجرا كبيرا في المياه الراكدة، ما دفع بسياسيين بارزين، إلى إدراك رسائل جلالته، فظهروا في المشهد بعد غياب، وجاء ظهورهم ليبدأ بجلاء هذا الملف.
وعمليا، فإن ظهور هؤلاء البارزين، على ما جاء في مقال رئيس الوزراء الأسبق فيصل الفايز الذي حدث بعد لقاء الملك مباشرة، وفي تصريحات رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي بالمناسبة نفسها، والظهور المتوقع للدبلوماسي المخضرم عبد الإله الخطيب اليوم على شاشة التلفزيون الأردني للحديث عن "الدبلوماسية الأردنية وأساليب تعاملها مع الأزمات"، كله يصب في مؤدى الرسائل الملكية.
هذه الشخصيات، تسن أقلامها اليوم، وتستعد للتصدي لأي مواجهة إعلامية، بعد دعمها بتأكيدات جلالة الملك، حول ثبات مواقف الأردن، لتفنيد كل ما يدور من مزاعم وإشاعات.