أخر الأخبار
حول مصر و«حماس» !
حول مصر و«حماس» !

إذا أردنا أن نقول الحقيقة، بدون مقدمات، وبدون ديباجات ومجاملات، فإن قسماً كبيراً من الشعب الفلسطيني يتوجّس من علاقة مصر بحركة حماس، أو ليس لديه الوضوح الكافي لفهمها أو تفسيرها وربما تبريرها أيضاً.
هذا التوجّس لا يقتصر في الواقع على المناصرين للشرعية الوطنية، وإنما ومن زوايا معينة يطال المناصرين لتيار الإسلام السياسي أيضاً.
يمكن أن نلحظ هنا أن المناصرين لتيار الإسلام السياسي لا يثقون بمصر من حيث المبدأ، ويعرفون في قرارة أنفسهم أن العلاقة القائمة لليوم هي علاقة أملتها اعتبارات عملية وربما نفعية ليس لها ولا يمكن أن يكون لها أي أُسس راسخة وعميقة ومستقرة.
أما المناصرون لتيار الشرعية الوطنية فإنهم على العكس تماماً من مناصري تيار الإسلام السياسي يؤمنون بالطابع الراسخ والمستقرّ للعلاقة مع مصر، وبالدور المحوري لمصر في نصرة الحق الفلسطيني، حتى وإن ظهرت تباينات هنا وهناك في هذه المرحلة أو تلك وحول هذه القضية أو تلك.
يستدلّ انصار التيار الإسلاموي على موقفهم من معرفتهم اليقينية للصراع الذي شهدته مصر الدولة الوطنية مع تيار الإخوان، ومن حقيقة ارتباط حركة حماس بهذا التيار، بل وتبعيتها المعروفة له.
يكفي بهذا الصدد الرجوع إلى ما قبل أحداث رابعة، ودور حركة حماس في أحداث السجون، وتهريب السلاح إلى سيناء، ووقوف الحركة بكلّ "طاقتها" الإعلامية ضد ثورة الشعب المصري على الإخوان.
أما أنصار تيار الشرعية الوطنية فقد وقفوا إلى جانب تلك الثورة بكل قوة وحزم وقناعة.
خسرت حركة حماس مع سقوط نظام الإخوان "القلعة" التي راهنت عليها، ووجدت نفسها أمام حصار إسرائيلي خانق، وأمام خصومة سياسية مستعرة مع الشرعية الوطنية، وأمام موقف مصري حازم من جماعة الإخوان، وصولاً إلى تصنيفهم كجماعة ارهابية خارجة على القانون، وتساهم في كل محاولات الاطاحة بأسس ومرتكزات الدولة الوطنية.
في هذه الأثناء تحولت جماعة الإخوان إلى العمل العسكري المباشر ضد النظام الجديد في مصر، وبدأت بتأسيس تشكيلات عسكرية خاصة للعمل المباشر في سيناء وفي الداخل المصري مثل "حسم" وغيرها من المسمّيات.
وفي هذه المرحلة بالذات بدأ نشاط الجماعات المسلحة في سيناء بالتصاعد الكبير، و"نجح" الارهابيون بعدة تفجيرات وضربات كبيرة ضد الكنائس والمؤسسات الوطنية، وضد القوات المسلحة المصرية في سيناء، وبصورة أثارت في حينه قلق الجميع على الإنجاز التاريخي الذي تمثل بقطع دابر كل الذين كانوا يخططون لزج مصر في أتون حروب وصراعات داخلية، كان من شأنها لحاق مصر بقائمة الدول التي دمرها الارهاب والصراع الطائفي والعرقي والسياسي الذي يرتدي العمة والعمامة. هنا بدا وكأن الدولة المصرية أصبحت أمام "ضائقة" أمنية كبيرة، وهناك من تحدث عن مأزق كبير في ذلك الوقت.
"حماس" خسرت "القلعة" الإخوانية ومصر الدولة أصبحت تصب كل جهودها لمواجهة الارهاب.
هنا أدركت حركة حماس من وحي أزمتها الخانقة، أن ساعة الاستدارة قد حانت، وأنّه أصبح بالإمكان أن "تبيع" لمصر ما كانت مصر تحتاجه بالذات، وهو المعلومات الكافية والمؤكدة عن النشاط الارهابي في سيناء، وهي المعلومات التي كانت حماس على معرفة كافية بها.
مهدت حركة حماس لهذه الاستدارة عندما أقرّت الوثيقة الجديدة التي تم التقاطها من قبل المستويات السياسية العليا في أجهزة الأمن المصرية، والتي كانت تخشى من بين ما كانت تخشاه أن ينفجر الوضع الإنساني في القطاع في وجه مصر.
إذاً هنا وعند هذا المفترق بالذات أصبحت مصر على استعداد للتعاون مع حماس بقدر ما تكون حركة حماس على استعداد للتعاون في مجال المعلومات المطلوبة، وبقدر ما تمنع انفجار الوضع ضد مصر أو في وجهها.
أغلب الظن أن حركة حماس قررت في ضوء كل هذه المعطيات أن تقوم بالاستدارة الكبرى، وأغلب الظن أنها (أي حركة حماس) قد سلمت المصريين قوائم كاملة بالأسماء وطرق الإمداد بالسلاح، ومخازن الأسلحة، وكل المعلومات التي كان يحتاجها المصريون إضافة طبعاً إلى المعلومات التي كانت لديهم.
ويقال بهذا الصدد (والله أعلم) إن حركة حماس قد سلّمت للمصريين قوائم كاملة بالأسماء بمن فيهم الإخوان وكل خرائط وطرق الإمداد من الخارج، وكل مواقع التخزين والتدريب في ليبيا وكذلك خطوط التهريب البحري.
بل ويقال ايضاً إن بعض المجموعات من حركة حماس قد شاركت بصورة مباشرة في إنجاز بعض المهام الأمنية في سيناء.
حركة حماس من خلال هذه الاستدارة الكبيرة فكّت الطوق الذي كان يحيط بها، وربح المصريون أن لا تنفجر غزة في وجوههم ـ كما كانت تخطط إسرائيل ـ وربحت مصر الحصول على معلومات هامة للغاية يبدو أنها ساهمت في الإنجازات الأمنية التي حققتها القوات المسلحة المصرية في سيناء، بحيث بات الجميع مقتنعاً الآن أن تواجد الارهابيين في سيناء قد اضمحلّ إلى أدنى الدرجات، ولم يعد لديهم أية تشكيلات منتظمة.
ومهما شكلت حركة حماس من "امر واقع" في القطاع، ومهما حاولت أن تستميل مصر، وتكسب "ودّها"، تمهيداً لفصل القطاع عن الجسد الوطني، فإن مصر (كما أرى) مستعدة لكل أنواع التعاون مع حماس باستثناء الموافقة على فصل القطاع أو انفصاله، أو الموافقة على العبث بالوحدة الفلسطينية أو حتى تجاوز الشرعية الوطنية بصورة سافرة.
وكما أرى فإن العلاقة ستبقى في هذا الإطار إلى أن تحدث مستجدات يعود من خلالها المصريون إلى المساهمة الفاعلة في إعادة توحيد الصف الفلسطيني.