أخر الأخبار
انتخابات جامعة بيرزيت وتجربة حُكم حماس
انتخابات جامعة بيرزيت وتجربة حُكم حماس

تميزت جامعة بيرزيت بمكانتها العلمية المتقدمة التى تحظى بها اليوم ضمن التصنيف الدولى لجامعات العالم؛ والذى تفوقت فيه على العديد من الجامعات العريقة فى المنطقة؛ ومثلت الجامعة نموذجا صحيحا ومثاليا للأكاديمية العلمية يحاكى التطور الأكاديمى العالمي؛ وليس فقط على الصعيد الأكاديمى العلمى إنما على صعيد الحياة الجامعية والعمل الطلابي النموذجى لتتحول الجامعة إلى نموذج ناصع للحرية وللحياة الديمقراطية، وهو ما جعل من جامعة بيرزيت واجهة حقيقية تعكس إلى حد كبير وبكل صدق آراء وتوجهات الرأى العام الفلسطينى فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وهذا يحسب بكل صراحة للسلطة الفلسطينية التى من الواضح أنها أدركت وبشكل عميق ضرورة وجود نموذج كهذا النموذج الناصع والمتقدم والحيوي فى المجتمع الفلسطيني.

لقد انتهت بالأمس انتخابات مجلس طلبة جامعة بير زيت للعام 2019؛ وكانت كعادتها على مر تاريخ الجامعة عرسا ديمقراطيا حقيقيا يعكس آراء الرأى العام وثقل القوى السياسية فى المجتمع الفلسطينى؛ والذى لا زال محروما لقرابة عقد ونصف من الحياة الديمقراطية المعطلة بفعل الانقسام الفلسطينى، لكن نتائج الانتخابات مثلت هذا العام تحولا كبيرا فى موزاين القوى السياسية فى المجتمع الطلابي للجامعة؛ فقد استطاعت حركة فتح وذراعها الطلابى كتلة الشهيد ياسر عرفات أن تحصل على العدد الأكبر من أصوات الطلاب وتفوقت فى ذلك، ولأول مرة منذ سنوات على منافستها التقليدية كتلة الوفاء الاسلامية والتى تمثل الذراع الطلابى لحركة حماس بفارق 68 صوت، وهذا التراجع لكتلة الوفاء الاسلامية وخسارتها للمقعد ال24 الذى جعلها العام الماضى الفائز بالانتخابات هو جزء من مسلسل خسارات أخرى كان أبرزها فى جامعة الخليل فى مدينة الخليل وهى المدينة التى صوتت بأغلبية لكتلة التغيبر والاصلاح فى آخر انتخابات برلمانية فى العام 2006؛ وحصلت الشبيبة الفتحاوية الشهر الماضى على 30 مقعد فيما حصلت الكتلة الاسلامية على 11 مقعد فى انتخابات اتحاد الطلبة؛ وهو ما يمثل في راي بعض المراقبين انهيارا حقيقيا لشعبية حركة حماس فى أوساط الجيل الفلسطيني الجديد والشاب.

 إن هذا التراجع فى شعبية حركة حماس لم يأت اعتباطا بل أنه نتاج صادق لفشل عميق فى الأداء السياسي للحركة على مدى عقد من الزمن؛ فلم تفلح حماس عبر تجربة حكمها المنفرد لقطاع غزه فى إدارة القطاع عبر نظام حكم رشيد بل على العكس فقد كانت نتائج التجربة كارثية بكل المقاييس على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للقطاع باعتراف أبناء الحركة أنفسهم؛ والشعب الفلسطينى كان بمقدوره تبرير كل هذا لحماس باعتبارها حركة مقاومة تحكم طبق آليات سياسية تختلف عن مشروعها التى تقول أنها تمثله (مشروع المقاومة المسلحة) لكن التغييرات الأخيرة فى ميثاق الحركة وما رافقه من اعتمادها برنامج المقاومة السلمية عبر مسيرات العودة؛ والذى يعد بكل المقاييس انعكاسا غير منطقيا لطبيعة حركات التحرر التى تبدأ بالنضال الشعبى السلمى وتنتهى بالعمل العسكرى مثل كان له بالغ الأثر على الجمهور الفلسطينى لأنه أظهر فشل حماس الذريع في ادارة مشروع المقاومة المسلحة خاصة مع ردة الفعل العنيفة التى أبدتها اسرائيل تجاه تلك المسيرات السلمية؛ والتى أدت لاستشهاد مئات الشباب وإصابة الآلاف؛ وهو ما أظهر المقاومة فى أسوأ صورها أمام الرأى العام بعدم قدرتها على حماية الشعب والدفاع عنه أمام آلة البطش الاسرائيلى، إضافة إلى ذلك آلية الرد العسكرى للمقاومة والتى أصبحت محل تندر الجمهور فى أولويات الرد والتصعيد والهدنة؛ والتى كانت دائما ضمن تكتيكات تنظيمية بحته لا علاقة لها بالهدف المعلن والأساسى للمسيرات وهو العودة؛ والذى تحول إلى مطالب انسانية كانت متوفرة قبل وصول الحركة إلى سدة الحكم.

واذا اضفنا إلى هذا المشهد ما قامت به حركة حماس من ممارسات قمعية تجاه المتظاهرين المدنيين فى حراك "بدنا نعيش"؛ والذى كان أسوأ ما حدث خلال تجربة الحكم الحمساوى لغزة؛ فإننا ندرك جيدا لماذا تراجعت شعبية الحركة فى الضفة الغربية التى لا تخضع لحكم الحركة فكيف بها فى قطاع غزة الذى يصنف طبقا لمنظمة بيت الحرية الدولية على أنه منطقة تفتقر للحرية وحقوق الانسان ب11 نقطة على مؤشر سقفه 100 نقطة.

خسارة حركة حماس لانتخابات مجالس الطلبة فى جامعات الضفة وخاصة فى جامعة بير زيت هو مؤشر حقيقي وصادق على تراجع كبير فى شعبية الحركة؛ وهو ما يستدعي وقفة حقيقية من الحركة لتصويب سياساتها تجاه الشعب الفلسطينى، وأول هذا التصويب يبدأ حتما من بيت الداء ألا وهو الانقسام الذى كان نتاج الانقلاب العسكرى فى العام 2006 فهو السرطان الذى ينخر فى الوطن وهو ما يمهد الأرض لكل الكوارث القادمة التى تحدق بنا.