أليس مثيراً للكثير من التساؤلات أن تختار روسيا الإتحادية ، التي هي محصلة ثورة سلمية ضد الإتحاد السوفياتي، الإصطفاف إلى جانب بشار الأسد ، الذي ثبت بعد تجربة الأعوام الثلاثة الماضية أن نظامه أسوأ كثيراً من نظام كيم جونغ أون في كوريا الشمالية، وإلى جانب فيكتور يانوكوفيتش الذي لو لم تحسم المعارضة الأوكرانية الأمور بسرعة وبدون تردد لكان فَعَلَ أكثر مما فعله الرئيس السوري ولكان أدخل هذه الدولة في مأزق ربما لن تخرج منه لسنوات طويلة.
كان المتوقع أنَّ إسقاط الإتحاد السوفياتي ونظامه البائس وحزبه الأوحد في بدايات تسعينات القرن الماضي سيؤدي بعد أكثر من سبعين عاماً من الإستبداد والقهر والسجون والمنافي السيبيرية إلى انفراج ديموقراطي وأنْ يحصل في روسيا ما حصل في العديد من دول أوروبا الشرقية حيث أدى إنهيار الأحزاب الستالينية إلى تجربة ديموقراطية راقية هي التي فتحت لهذه الدول وشعوبها بوابة الإتحاد الأوروبي والإنتقال وبسرعة من حالة بائسة ومتخلفة إلى هذه الحالة المتماشية مع معطيات القرن الحادي والعشرين والألفية الثالثة.
لكنَّ ما حصل هو أنَّ انهيار الإتحاد السوفياتي قد أنتج تجربة تعتبر نسخة عمَّا يسمى نظام «الطبقة العاملة» المبني وفقاً للنظرية الماركسية-اللينينية بل وربما أسوأ وأنه ثبت أن روسيا الإتحادية لا تختلف فعلياً عما سبقها إلاَّ بالإسم فقط وأن فلاديمير بوتين لا يختلف عن جوزيف ستالين إلاَّ بنعومة الملمس وبالمليارات من الدولارات المكدسة في البنوك الغربية وأنَّ جهاز الـ(كي.جي.بي) بقي من حيث الممارسات هو نفسه وأن الإختلافات الوحيدة بين الماضي والحاضر هو أنَّ قاعدة الطبقة الكادحة قد اتسعت في حين أن رغد العيش الذي كان ينحصر في مجموعة «الرفاق» من أعضاء المكتب السياسي بات ينحصر في مجموعة إزداد غناها بمقدار ما إزداد فقر الشريحة الأوسع من الشعب الروسي.
في السابق كان الإتحاد السوفياتي ، رغم عيوب تجربته الكثيرة، يساند فعلاً الكثير من الشعوب الفقيرة والمضطهدة وكان يُعتبر نصيراً للشعوب التي كانت تكافح وتقاتل من أجل حريتها واستقلالها لكن ما يثير ألف سؤال وسؤال أنَّ روسيا الإتحادية التي كان من المتوقع أن تكون واحة ديموقراطية وحريات عامة قد ورثت كل مساوئ الحقبة الشيوعية من قمع وإستبداد وفساد مالي وإداري وتسلط على الدول الصغيرة المجاورة ومساندة الأنظمة التي تعتبر من مخلفات القرن الماضي بكل مساوئه.
ولذلك فإننا نجد أنَّ أصدقاء روسيا الإتحادية هم بشار الأسد ونظامه في سوريا وفيكتور يانوكوفيتش ونظامه الذي كانت نهايته هي هذه النهاية المهينة والمخزية وأيضاً نظام كيم جونغ أون في كوريا الشمالية.. وهنا فإنه يجب تذكُّر المثل القائل :»قُلْ لي من هُم أصدقاؤك أقول لك من أنت»!!.
وهكذا فإنه عندما يأخذ فلاديمير بوتين وسيرغي لافروف روسيا للإصطفاف إلى جانب ثلاثة أنظمة تعتبر من مخلفات القرن العشرين ، قرن الويلات والديكتاتوريات وأنظمة الحزب الوحيد والقائد الأوحد، التي هي أسوأ أنظمة يعرفها هذا العصر ، عصر الحريات العامة والديموقراطيات وحق الشعوب في التحرر والإنعتاق فإن هذا يعني أنَّ كل نضالات الشعب الروسي على مدى أكثر من سبعين عاماً قد ذهبت هباءً وسُدىً وأنه لابد من ثورة جديدة تعيد الألق لـ»غلاسنوست» و»البريسترويكا» وتضع هذه الدولة في الموقع الذي تستحقه.