في العام 2005، تأسست الحركة المدنية الفلسطينية المعروفة باسم (BDS) لأجل مقاطعة إسرائيل والتي تنادي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي واستعماره لكل الأراضي العربية، فضلا عن تفكيك جدار الفصل العنصري، والاعتراف الإسرائيلي بحقوق فلسطينيي 48، وعودة اللاجئين الفلسطينيين. هذه الحركة الفلسطينية تؤمن وتعمل باللاعنف، مثلما هي تخاطب أصحاب الضمير الحي من كل الأعراف والأديان والجنسيات وعلى رأسهم المجتمع الإسرائيلي وكل الجاليات اليهودية حول العالم. لهذا أصبح الدعم العالمي لهذه الحركة المدنية يغطي بلدان العالم على نحو تدريجي لكنه ثابت.
لقد كشفت الحركة المدنية الفلسطينية حقيقة إسرائيل المستندة إلى التمييز العنصري وزيف ديمقراطيتها في عدد متنام من الميادين على المسرح الدولي، الأمر الذي خلق خشية متزايدة في إسرائيل أجبر وزارة الشؤون الاستراتيجية والاستخبارية الإسرائيلية على تجهيز خطة تقوم على استخدام الإعلام والدعاية وتفعيل دور المنظمات الدولية المتعاطفة مع الدولة الصهيونية. ولكن وزارة الخارجية الإسرائيلية رأت بأن الحل حاليا لمواجهة حركة BDS يتجسد عبر وصفها بانها «معادية للسامية». بل إن رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) لعب على الحبل ذاته، وصرح: «أعتقد انه من المهم ان نكشف حقيقة الداعين لمقاطعة اسرائيل بأنهم معادون تقليديون للسامية ولكن بزي حديث، واعتقد ان علينا محاربتهم». وقد رد (عمر برغوثي) الناشط الفلسطيني وأحد مؤسسي (BDS) في مقال له في «نيويورك تايمز» على اتهامات إسرائيل بكون (BDS) أصبحت خطراً يهدد «شرعية» الدولة الصهيونية قائلاً فيه: «إن حركة BDS لا تمثل خطراً موجهاً لأجل إزالة إسرائيل كدولة بل هي تشكل تحديا للنظام العنصري الاستعماري الحالي في إسرائيل. لقد زال النظام العنصري في جنوب إفريقيا وما زالت جنوب إفريقيا دولة قائمة. والنظام العنصري الصهيوني القائم هو الذي جلب المقاطعة ضد إسرائيل». وفي تقرير لها، قالت «السي بي إس»، إحدى أشهر شبكات التلفزة في الولايات المتحدة الأمريكية، إن «التصويت بمقاطعة إسرائيل ما يزال في طوره الرمزي ولكنه مؤشر إلى أن تلك المقاطعة ربما تنامت ليعتزل العالم إسرائيل شيئا فشيئا، ولن يجدي إسرائيل شيطنة مشروع عزلها بما تروجه من أقاويل تنسبها إلى الحركة عن «عداء السامية». فالمقاطعة مثل كل الأفكار، التي إذا جاء أوانها، شقت طريقها للتحقق الكامل». وفي مقال حمل عنوان «المقاطعة، سحب الاستثمارات، والعقوبات: كيف نحبط التهديد» كتب (مارك هيلر) يقول: «واضح أن حجم العقوبات الاقتصادية (والمقاطعات الاخرى في مجالات الثقافة والتعليم العالي)، التي كان مسببها الأول نشاط الـ BDS، ازداد في الاشهر الاخيرة. ومن الصعب الاختلاف مع حقيقة أن إسرائيل هشة جدا تجاه مقاطعة من هذا القبيل». وأضاف: «سيكون من قبيل عدم المسؤولية من جانب زعماء في إسرائيل الاستخفاف بهذا التهديد او التظاهر بانه يمكن معالجته بمجرد الحملات الاعلامية أو التنديد بالجهل، وانعدام الأخلاقية أو الإزدواجية الأخلاقية أو الدافع اللاسامي».
النجاح المتنامي الذي تحققه حركة (BDS) الفلسطينية، إذا تُرجم إلى الدولارات كما بينته صحيفة «يديعوت أحرنوت» الإسرائيلية، هو نجاح ملموس. فقد أكدت الصحيفة: «أن خسائر إسرائيل من هذه المقاطعة وخاصة لنمو 70 مصنعاً في المستوطنات والمزارعين من مستوطنات غور الأردن قاربت أن تصل إلى 20 مليار دولار وفصل نحو عشرة آلاف عامل من العمل في الفترة القريبة المقبلة». في هذا السياق، جاء كلام وزير خارجية الولايات المتحدة (جون كيري) من أن «إسرائيل تمر بإزدهار مؤقت وأمن مؤقت ولكن ذلك وهم وسيتغير مع فشل محادثات «السلام» وستواجه إسرائيل مخاطر أكبر بكثير».
حقا، إن مقاطعة إسرائيل اقتصادياً (وغير ذلك) تتفاعل يوماً بعد يوم، حيث تواجه موجة عارمة لمقاطعتها خاصة في أوروبا. ومن المؤكد أيضا أن سلسلة النجاحات التي حققتها (BDS) تشجع على الدعوة الى فرض عقوبات على اسرائيل مماثلة لتلك التي فرضت على نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا. وقد أعربت صحيفة «هارتس» عن قلقها وكتبت تقول: «التحذير أصبح أكثر وضوحا وشدة. وقد يتضاعف الاعتقاد بإمكانية تركيع إسرائيل مثلما حدث مع جنوب إفريقيا».