أذكّر حزب الله والنظام السوري، بأنهم لا بد ان يدققوا في دلالات انتخاب الشيخ حسن روحاني، بهذا الزخم الشعبي المدني في ايران، وانعكاساته المحتملة، خاصة على حزب الله، من دون مبالغة مني في توقع الانقلاب الايراني الشامل، ومن دون طمأنينة مبالغ فيها من حزب الله، وكأن شيئا لم يكن، لأن هذا غرور قاتل يؤدي الى مضاعفة الخسائر.
إني احب الشعب الايراني وأفرح لفرحه، وعندي لوائح آمال تتراوح بين حد ادنى كاف كشروع في التغيير الهادئ والمندرج ولو ببطء في المستقبل المتوسط المدى والحد الوسط، المندرج ببطء أقل، نحو المستقبل، البعيد نسبيا ولكنه منظور، والحد الاعلى الذي قد يقف بايران على حافة الشروع في تغيير جذري للنظام، وهذا الحد قد لا يكون حدا تغييريا بل تدميري، لأن النظام ليس مترديا، وان كان مربكا جدا، ويحتاج الى صبر وحكمة وتطوير من الداخل، باتجاه التغيير الجذري غير الانقلابي، لأن الانقلابية المتسرعة سوف تكون مقدمة لنكسة كبرى تعيد انتاج النظام من دون حسنات ابداً، وبكل ما يملكه تصوره من السيئات التي ظهر مثيل لها في تصرفات النظام السوري تجاه التاريخ والافكار والقيم والاجتماع والدولة والذاكرة والاحلام والعمران والانسان.
أنا مرتاح لانتخاب روحاني بهذه الارادة الشعبية، كما كان يرتاح الفلاحون وعموم اهل ضيعتنا، عندما ينبت القمح ويستعرض خضرته ووعوده بالغلال الوفيرة .. دون ان ينسوا خوفهم بناء على التجربة من انقطاع المطر طويلا والجفاف ويباس الزرع في أول عمره، أو عدم انعقاد حبوبه في الوسط بسبب الجفاف، أو عطشه بعد الانعقاد، وتضاعف حاجته للمطر والري، ثم يعاودهم الخوف اذا ما هطل مطر متأخر وشديد، فيسبب تعفنا للقش والحب. وهناك خوف على الحصاد وعلى الدراسة، وحتى التذرية وفصل التبن العادي عن الحب والزؤان والتبن شديد النعومة وشديد الخشونة.. ألخ.
ان حقوق الشعوب، في الحرية والعدالة اي الكرامة، لا ترتبط بانتصارها أو هزيمتها بل بأهليتها لبناء دولة أو نظام افضل من نظام الاستبداد، ولا في كون القوى التي تختلف على حراكها الاعتراضي أو تقوده، متقدمة أو متأخرة عن النظام أو غيره... هي حقوق لانها حقوق لا يلغيها احد من اعداء الشعب المتفقين أو المختلفين، لأن الاختلاف ليس كافيا في منح شرف الصواب الى طرف دون آخر، فقد يتقاسم الخصمان الخطأ، خاصة اذا كانوا ايديولوجيين قومويين أو اسلامويين، والطريق الوسطى هي الجادة، ولكن الوسطية تعني الافضلية، وليست تلفيقا بين باطلين أو تطرفين، وليست رمادا. وليس بامكان الفوضى ان تكون مجالا لتأسيس الوسطية الفاعلة والراقية، والوسطية مكان جامع لا لأمزجة متنافرة وامراض عضوية، حزبية وفردية، مزمنة ومعضلة، ولا شهوات سلطة بدل ان تعد بالخبز والحرية تتوعد المظلوم بأن تعيد انتاج الظلم والظالم بشكل ابشع. الوسطية التي توقعناها من التيارات المدنية السورية فجعنا بها، وما زال لدينا امل بانتاجها، لا منعا للخسائر التي تحقق قسم كبير منها، بل لتفادي المزيد منها... لعلّ وعسى.
مع تحذيرنا الى كل الذين تزدهيهم الانتصارات الملوثة في مقابل المهزومين المستحقين للهزيمة لانهم لم يعدوا انفسهم اعدادا نظيفا وواعيا وملائما ليصبحوا قادرين بكفاءة وامانة على حمل آمال الشعوب وتضميد جراحها وبناء اوطانها ودولها. وان كانت هزائمهم هي لهم حصرا، الا اذا كفوا عن الكسل والبلادة واستغلال الحق العام في تحقيق المأرب الخاص، الفردي أو الفئوي، اي الباطل، وان كانت هزائمهم موجعة ولكنها مؤقتة في سيرة حياة الشعب التي تعرف كيف تضرب مواعيد متكررة للنهوض والتصحيح والتغيير.
هناك حساسية بشرية عامة وتاريخية ومشرقية ايمانية واسلامية وعربية ومعرفية وروحية، توجعها الانتصارات الرخيصة والهزائم المجانية ولكنها تصر على الحق والحقيقة اي الانسان وفي كنف الرحمن على موعد مع النصر ولو بعد حين، وقراءة من دون مكابرة وغرور، تؤكد ذلك، كما تؤكده آيات كريمات في التزيل الجميل العظيم: "حتى اذا استيأس الرسل وظنوا انهم قد كذبوا جاءهم نصرنا"، هذه سنن تاريخية وانتصار الرسل ليس شخصيا بل هو انتصار شعوبهم أو انتصار الحق على الباطل "ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الارض ونري فرعون ومهمان منهم ما كانوا يحذرون" صدق الله العظيم.
هذا الكلام هو دعوة الى تجديد وتسليح الامل بالعقل والحوار والعمل.