أخر الأخبار
ترامب_نتنياهو: العيار الذي لا يصيب
ترامب_نتنياهو: العيار الذي لا يصيب

أيام قليلة وتنتهي المهلة القانونية الممنوحة لرئيس الحكومة الإسرائيلية المكلف بنيامين نتنياهو لتشكيل حكومته الخامسة، وذلك بعد اجراء انتخابات الكنيست الواحد والعشرين قبل نحو ستة أسابيع من الآن، دون أن يتمكن الرجل الذي بدا للوهلة الأولى بأنه قد فاز بشكل مريح في تلك الانتخابات كقائد لليمين الإسرائيلي وليس كزعيم لأكبر حزب يميني في تاريخ إسرائيل، أي حزب الليكود، من انجاز مهمته، لتجيء الأيام التالية وتوحي بأن الأمر لم يكن كذلك بتاتاً.
صحيح أن الحزب المنافس، "أزرق أبيض" لن يكون بمقدوره أن يشكل الحكومة، لكن الليكود واليمين سيكونان أمام خيارين أحلاهما مر، فإما تشكيل حكومة وحدة مع حزب الوسط أو مع الجنرالات المتقاعدين الذين دخلوا حديثاً إلى عالم السياسة، أو التوجه لانتخابات جديدة ستكون قاسية ومؤملة وغريبة، حيث قد يسجل ليس في تاريخ إسرائيل وحسب، بل وفي تاريخ البشرية كلها بأنه يحدث لأول مرة أن تجري انتخابات عامة دون أن تنجح بنتيجتها الكتلة الفائزة في تشكيل الحكومة ولو ليوم واحد!
وما هو صحيح أيضاً، هو أن هذا الواقع السياسي داخل إسرائيل يثير بظلاله على قدرة اليمين في التحرك السياسي الخارجي، حيث لا توجد هناك حكومة "قوية" قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية أو حتى حاسمة.
على الجانب الآخر المكمل للصورة الإسرائيلية، خاصة فيما يخص ملفات الشرق الأوسط وفي مقدمتها الملف الفلسطيني، لا يكاد يمر يوم إلا ويظهر ما ينغص على الرئيس الخامس والأربعين الأميركي دونالد ترامب، حليف نتنياهو الرئيسي حياته الرئاسية، وما زال ملف التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية السابقة التي حملت الرجل إلى البيت الأبيض تطل برأسها، وآخر ما سمعناه هو اتهام رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، ترامب بالتورط في عملية تستر وعرقلة تحقيق العدالة في تجاوز قد يصل إلى حد إعلان عزله من منصبه كرئيس للولايات المتحدة، كما تشير التقديرات.  
 في الحقيقة، قد لا يصل الأمر فعلاً وحقاً إلى هذا الحد، ولكن مجرد بقاء هذه القصة بعد مرور عامين ونصف على إجراء الانتخابات الرئاسية يعني بأن الأمر لم يكن مجرد دعابة ولا مجرد شائعة، وإذا لم يكن هناك دخان دون نار، كما يقولون، فإنه يوماً بعد يوم يتعزز الشعور أو القناعة لدى الشعب الأميركي بأن الرجل قد جاء إلى البيت الأبيض بعملية "نصب" ودون وجه حق، وأن كل يوم يمر على بقائه في المنصب، إنما هو عار على الولايات المتحدة ونظامها "الديمقراطي".
وبالنظر إلى النصف الثاني من الصورة، نقول بأنه ربما كان نتنياهو يناور على حلفائه المختلفين والانتهازيين حتى اللحظة الأخيرة بهدف الضغط عليهم جميعا، ليكونوا حلفاء خاضعين وليس حلفاء شركاء في الحكم، وأنه يستثمر المدة القانونية حتى اللحظة الأخيرة، لكن مرور كل هذا الوقت، يشيع أجواء الضعف على الحكومة قبل أن تتشكل، بما سيعني بأن تلك الأجواء سترافقها خلال الفترة القادمة، حتى لو تم تشكيلها، وبأن حالة التباين بين مركّباتها أو مكوناتها السياسية إنما هي نقطة ضعف قوية فيها، إن لم تمنع من تشكيلها اليوم فإنها ستكون سبباً في تفككها غداً.
أي بالبلدي وكما يقول المثل، العيار الذي لا يصيب "يدوش" أو بمنطق السياسة يشوش، فهل تعني هذه الأجواء المحيطة بكل من الثنائي، ترامب ونتنياهو أنهما قادران على الذهاب بعيدا في مواجهة إيران، وفي إعلان صفقة القرن وتنفيذها، رغم أن واحدة من الخطوتين تعني بأن حرباً عالمية قد اندلعت في الشرق الأوسط !
المنطق يقول بأنه يمكن الذهاب إلى خيار الحرب مع إيران لتحقيق التقدم في الملفات الداخلية، كما يحدث عادة مع كل الحكومات والأنظمة، لكن الحرب مع إيران ليست نزهة، واتخاذ القرار فيها أمر يكاد يكون في غاية الصعوبة، ليس لأنه ليس هناك من حلفاء مستعدين للوقوف مع الولايات المتحدة ميدانياً، وليس لأنها ستذهب إلى الحرب دون الغطاء الدولي، ولا دون حتى سبب يقنع الشعب الأميركي كما حدث في العراق حيث خاضت الحرب معه بالتحالف مع قوات ثلاثين دولة وفي صحبة قرار دولي، أو كما حدث في أفغانستان حين شنت الحرب عليها بتعاطف شعبي أميركي وحتى عالمي بعد حادثة برجي التجارة العالمية.
يحتاج ترامب إلى حماقة إيرانية، ليطلق "حرب الأتاري" لكن إيران دولة محنكة سياسياً، ونقصد بذلك أن تقوم القطع البحرية الإيرانية بالبدء بالحرب، من مثل مهاجمة حاملات الطائرات أو القطع الحربية أو حتى القواعد الأميركية التي وصلت إلى مياه الخليج، وربما يقوم بتقديم الطعم لها، من خلال استعراض للقوة أو كشف ظهر واحدة من تلك القطع الحربية، لكن إيران أذكى منه كثيراً، فهي لو فكرت في البدء بالتحرش العسكري لإظهار قوة الردع، فإنها ستفعل ذلك ضد حلفائه الضعاف في الخليج، وبيد أحد حلفائها وليس بالضرورة باستخدام القوة الإيرانية، كما حدث من استهداف لأهداف سعودية بأصابع حوثية.
قدرة إيران على إلحاق الأذى بالأميركيين ليس لها حدود، فكل دول الخليج العربي في مرمى النيران وهي كلها خواصر ضعيفة لحليفها أو حاميها الأميركي، وحتى إسرائيل في مرمى الصواريخ الإيرانية ولكن بأيدٍ لبنانية وفلسطينية.
ربما كان الإعلان عن "ورشة المنامة" بمثابة المخرج والدليل في نفس الوقت على المأزق الأميركي/الإسرائيلي الذي جاء من الزاوية الداخلية ومن حيث لم يحتسب مخططو الصفقة، وبتقديرنا فإن الهدف هو تمويل الحرب على إيران أكثر منه ذر الرماد في العيون الفلسطينية والعربية الرافضة للصفقة، لكن إسقاط ملتقى البحرين أمر ضروري لإغلاق النافذة التي يعني فتحها محاولة لفتح الأبواب كلها أمام استعمار أميركي/إسرائيلي جديد وبشكل آخر، ليس للأرض الفلسطينية والسورية المحتلة وحسب ولكن لكل الوطن العربي، حتى لا يقدم على طبق من ذهب لليانكي الأميركي ولمجرم الحرب الإسرائيلي.