بإصدار محكمة الامور المستعجلة في احدى محاكم القاهرة حكماً (مؤقتاً في انتظار النطق بالحكم في التهم الموجهة لبعض أعضائها بالإرهاب والتخابر واقتحام السجون خلال ثورة 25 يناير) يقضي بحظر نشاطها في مصر والتحفظ على مقراتها داخل مصر, يمكن القول أن الأمور بين النظام الانتقالي الحالي وحركة المقاومة الاسلامية, الفلسطينية «الجنسية» الاخوانية «المرجعية» والهوى والقرار, قد وصلت الى نقطة اللاعودة, وباتت حماس تحمل صفة «المحظورة» التي حملتها الجماعة «الأم» طوال عقود, وقبل ان تطيح ثورة 25 يناير نظام مبارك وتمنح جماعة الاخوان المسلمين المصرية فرصتها التاريخية, التي لم تكن تحلم بها, بل هي كانت مستعدة لمقايضة جمال مبارك بمنحه تأييدها المباشر لوراثة والده مقابل السماح للجماعة بالعمل العلني ورفع الحظر عنها, وهو ما ترجمته تصريحات المرشد العام السابق محمد مهدي عاكف عندما قال: ان الجماعة «لا ترى» مانعاً في أن يرشح جمال مبارك نفسه بصفته «مواطن» له كل الحق في ذلك, لكن التصريح المُعوّج والمتذاكي هذا, لم «يُثْمِر» فجرفته الاحداث وسقطت رهانات الاخوان على التحالف (بمعنى عقد صفقة) مع نظام مبارك.
حركة حماس ستجأر بالشكوى وستوظف قرار المحكمة المصرية في «مظلوميتها» الجديدة, بل ستأخذ الامور الى ما أبعد من ذلك, عندما ترى أن ذلك بمثابة عداء للشعب الفلسطيني وتخلٍ مصري عن القضية الفلسطينية وريح اسناد لحكومة نتنياهو, وغير ذلك من الاوصاف والمصطلحات التي دأبت على ترويجها, منذ أن أسقط الشعب المصري نظام مرسي, ولم تأخذ حماس رأي الشعب الفلسطيني وقت أن أحكم الاخوان المسلمون في مصر قبضتهم على مفاصل الدولة المصرية، بل وضعت نفسها ناطقة وممثلا شرعيا وحيدا، رغم ان ذلك ليس صحيحا ابداً، بل ان ما تدعيه حماس أو تستند إليه من تأييد شعبي (أضف: سابق) يكاد لا يصمد أمام اختبار النتيجة، لأن مياه كثيرة تدفقت في «بحر غزة» ولم تعد «الأرصدة» التي راكمتها الحركة في انتخابات العام 2006, معيارا دقيقاً بعد ثماني سنوات, لأسباب عديدة سياسية ونفسية وتنظيمية، وخصوصاً اقليمية ودولية, فضلاً عن بؤس نموذج حماس السلطوي، عندما انفردت بتسيير شؤون القطاع وغدت سلطة موازية ومستقلة (هذا لا يعني ان نموذج سلطة رام الله افضل حالا) فكان الفشل موصوفاً وخيبة «الغزيين» كبيرة، لأن شعار (الاسلام هو الحل) لم يكن سوى ستار يخفي سياسة الاستحواذ والإقصاء والتهميش وتقييد الحريات ومحاولة فرض نمط حياتي ومعيشي بل وثقافي إخواني, في انكار واضح وطمس على حقيقة التجارب العديدة والنكبات والمرارات التي راكم «دروسها» الشعب الفلسطيني في وطنه، كما في الشتات والمنافي, ما أنضج تجربة غنية, انعكست في ذلك التنوع في الانماط والسلوك وهو ما نرى تجسيده في واقعه الاجتماعي والثقافي, كما في تركيبة منظمة التحرير الفلسطينية ذاتها, رغم الحال المؤسفة والتردي الذي تعيشه, منذ التوقيع على اتفاقية اوسلو الكارثية إلا أنها ضمت في صفوفها ومؤسساتها, اليمين واليسار والوسط, العلماني والاسلامي المعتدل, كما المحافظ والليبرالي، دون ان يكون لأي فصيل او قائد «حق» احتكار الحقيقة او الوطنية او اللجوء الى التخوين وادّعاء الوطنية, كما هي حال حماس في أدبياتها وخطابها الذي تفاقم وانتفخ بعد انتخابات 2006, التي احسب ان نتائجها لن تتكرر مهما تغيرت موازين القوى.
ما علينا..
مؤسف قرار المحكمة المصرية, لأن حماس لها نصيبها من التأييد في صفوف الشعب الفلسطيني وفي خارج الاراضي المحتلة, إلا أن الخطيئة الكبرى التي ستقع فيها الحركة, إذا ما واصلت الزعم بأن هذا القرار ضد مصالح الشعب الفلسطيني وإعلان حرب عليه وعداء مكشوف للمقاومة, على ما دأبت الحركة على تكراره في مسألة الأنفاق واغلاق معبر رفح وغيرها من الاجراءات, التي اتخذتها السلطات المصرية بعد موجة 30 حزيران الماضي واندلاع العمليات الارهابية واستهداف جنود الجيش المصري وافراد الشرطة والثكنات, فضلاً عن انحياز حماس المكشوف والعلني لجماعتها الأم ولنظام مرسي, في اشارة واضحة على تقديمها مصالحها الايديولوجية والتنظيمية على مصالح الشعب الفلسطيني وقضيته وعذاباته, وإلا كيف تفسر حماس اصرارها على وصف ما حدث في مصر بأنه «انقلاب» ومواصلة قادتها وإعلامها المطبوع والمرئي والمسموع, التحريض على السلطة الانتقالية في القاهرة, والترويج لخطاب الشحن والعنف والشتائم التي يكيلها محازبو الاخوان وخصوصاً «شيخهم» يوسف القرضاوي..
حماس رفضت مراجعة خطابها بل وعاندت وقال قادتها لن نعتذر ولن نتخلى عن مبادئنا, وهم هنا يقصدون مبادئ الجماعة وخطابها الثأري والاقصائي, الوقت حان لإعادة قراءة المشهد والتواضع والنظر الى المسألة من خلال أنها فصيل بين فصائل ومنظمات فلسطينية عديدة..
نعم هي فصيل «كبير», لكنها ليست الشعب الفلسطيني وبالتأكيد ليست الممثلة الشرعية الوحيدة له.