يصادف اليوم 8 اذار من كل عام الاحتفال بيوم المراة العالمي، وفي هذا العام نستذكر معاناة المراة ببعض الدول العربية نتيجة للنزاعات المسلحة فيها، حيث تتعرض المراة بهذه البلدان لأقصى انواع العنف بجميع اشكاله النفسية والجسدية والجنسية والتي لم يسبق لها مثيل، ويعتبر القانون الدولي لحقوق الإنسان الإطار القانوني الجامع لأسس ومرتكزات صون كرامة الإنسان وحماية حقوقه السارية في مختلف الأحوال والأوقات. أما ) القانون الدولي الإنساني فيعالج حالات النزاعات المسلحة والاحتلال العسكري ويسري خلالها فقط، في حين يولي القانون الدولي للاجئين اهتمامه لما يؤدي إليه نزوح ولجوء المدنيين من معاناة وعنف وانتهاكات، كما أن القانون الجنائي الدولي يختص بمقاضاة المتهمين بارتكاب جرائم دولية، كجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، ويُعتبر القانون الدولي الإنساني من أهم الانجازات القانونية التي تعبّر عن إجماع دولي حول ضرورة توفير الحماية وتخفيف المعاناة الانسانية أثناء النزاعات المسلّحة .وقد ركزّ هذا القانون في البداية على تقييد ما يمكن أن تقوم به وسائل القتال )ما يسمى بقانون لاهاي(، ثم تحوّل باتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكولين الإضافيين ليصبح التركيز على حماية ضحايا النزاعات المسلحة، خاصة الجماعات المحميّة ومنها المدنيين غير المشاركين في العمليات القتالية والحربية.ولكن تغيرت طبيعة النزاعات المسلّحة المعاصرة، من حروب نظامية بين الدول باتجاه الحروب الأهلية بين مجموعات داخل الدولة،مما جعل التمييزبين المقاتلين والمدنيين يتقلّص بشكل كبير، ما يعني ترك المدنيين دون توفير كامل الحماية التي يكفلها لهم هذا القانون.
وينفرد قانون جنيف بعض المواد الخاصة بحماية بعض الفئات من النساء،كالسجينات أو المعتقلات الإداريات، وذلك لضمان عدم تعرضهن للتعذيب والانتهاكات (بما فيه الانتهاك الجنسي( وأخذ حاجاتهن الخاصة الجسدية والصحية بعين الاعتبار عند تصميم أماكن احتجازهن. ويتعامل هذا القانون مع الحوامل والأمهات بطريقة شبيهة بكيفية التعامل مع المرضى والجرحى.كما ويتضمن بنوداً خاصة لحماية النساء من انتهاكات مُعيّنة، كالاغتصا ب والتعدّيات الجنسية، مثل المادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص(يجب حماية النساء بصفة خاصة ضد أي إعتداء على شرفهن، ولاسيما ضد الاغتصاب، والإكراه على الدعارة، وأي هتك لحرمتهن، وقد حوّل البروتوكولان الإضافيان الأثر الناجم عن هذه الانتهاكات ذات الطبيعة الجنسية من مجال التأثير السلبي على شرف المرأة والعائلة والجماعة إلى مجال الإحطاط بكرامة المرأة الإنسانية.
هذا ويعالج القانون الدولي لحقوق الإنسان مسألة العنف ضد المرأة ويعمل على منع التمييز بسبب الجنس. فانتهاك حقوق المرأة لم يَعُد شأناً خاصاً بالدول التي أصبحت مطالبةً بضرورة إزالة التمييز ضدها ووضع القوانين الضامنة لذلك، إضافة إلى ضرورة حمايتها من العنف، وحتى العنف الأُسري منه، ومحاسبة من يقوم بذلك فقط، بل ينطلق مفهوم حقوق الإنسان بهذا الشأن من حقيقة أخلاقية مفادها أن جميع البشر، نساءً ورجالاً، يتحلّون بكرامة إنسانية لايجب التعدّي عليها، إضافة إلى تمتعهم بالحق الذي لا يمكن التنازل عنه، وهو الحق بالتحرر من الخوف والحاجة والمساواة أمام القانون
وتدخل القواعد الدولية الخاصة باللاجئين ضمن القانون الدولي لحقوق الإنسان، وترتبط بصورة وثيقة مع القانون الدولي الإنساني كون اللجوء مرتبط بشكل أساسي بالنزاعات المسلحة. وبما أن
الأكثرية العظمى من اللاجئين هم من المدنيين وخاصة من النساء والأطفال، فالقانون المتمثل باتفاقية جنيف لحماية اللاجئين لعام 1951، يكتسب أهمية خاصة بتوفير الحماية للمرأة دون أن يخصّها بذلك
ومنذ فترة والجدل دائر بشأن قدرة القانون الدولي على منع العنف الموّجه ضد المرأة خلال وبعد النزاعات المسلحة. هناك رأي يعتقد بأن القانون الدولي الإنساني غير ملائم أو كافٍ للقيام بهذه المهمة لأن هذا القانون لا يُعنى بوضع المرأة بعد انقضاء النزاع المسلح، وجزء من معاناتها يتم حينذاك. بناء على ذلك يطالب أصحاب هذالرأي بضرورة إحداث تغييرات جذرية في القانون الدولي، وخاصة في القانون الدولي الإنساني
مما سبق يمكن القول أن الانجازات التي تحققت على الصعيد الدولي خلال العقود الماضية كثيرة فيما يتعلق بالاهتمام بتحسين وضع المرأة ووقف العنف والانتهاكات الممارسة ضدها، خاصة أثناء النزاعات المسلحة. ولكن يجب القول أيضاً أن الاخفاقات التي وقعت خلال العقود الماضية في هذا المجال أيضاً كثيرة، ولا يتذكرها العالم إلا كلما وقع نزاع مسلح نجم عنه الكثير من الضحايا والعديد من الانتهاكات الموجهة ضد الفئات الهشة، ومنها النساء.ويسوء الوضع عندما يكون النزاع المسلح داخلياً تتصارع فيه فئات متحاربة داخل الدولة، دون أدنى اعتبار للحفاظ على القيم المثلى أو تطبيق بنودالقانون الدولي أو الاهتمام باحترام حقوق الانسان. عندئذ تكون معاناة النساء في أعلى مستوياتها وهذا ما نشاهده ببعض الدول العربية، وتستمر هذه المعاناة حتى بعد أن تضع الحرب أوزارها .وتخبو ذاكرة العالم بين حرب وحرب، وإبادة جماعية وأخرى، وتهجير قسري ونزوح جماعي، وبين اغتصاب للنساء وتجويع للأطفال. صحيح أن ما تم انجازه كبير،ولكنه مع ذلك لا يكفي لانهاء كل هذه الأنواع من المعاناة. ولذلك هناك الكثيرمما يجب عمله، ليس على صعيد واحد فقط، بل على عدة صعد متشابكة.يجب استمرار العمل على الصعيد الدولي من أجل نصرة النساء لإيقاف العنف الممارس ضدهن. وللعمل على هذا الصعيد يجب أن يتكثف داخل جميع المحافل الدولية والمنابر الإقليمية، بهدف تمتين وتطوير القوانين الدولية ذات العلاقة بالموضوع. ولكي لا يقف الأمر عند حدّ الأطر القانونية المجردّة، يجب أن تتصاعد حملة المطالبات بوضع آليات تنفيذ هذه القوانين موضع التطبيق الفعلي، وخاصة من خلال استخدام المحكمة الجنائية الدولية التي يقع عليها دورمستقبلي مركزي في وضع حدٍ للعنف الممارس على المرأة على صعيد العالم.كما يجب أن يتوقف التفريق بين ما يُمارس على المرأة من عنف وانتهاكات خلال النزاعات المسلحة وما يتم قبل وبعد ذلك. فعملية البتر الميكانيكي بين المراحل تبدو وكأنها تستهدف تقليص هذا العنف وحصره في فترة النزاع المسلح فقط. ليس هذا وحسب بل يؤدي هذا البتر إلى فصل قسري قد يكون متعمداً للعنف عن جذوره المجتمعية، وذلك عن طريق إرجاع سبب حدوثه إلى النزاع المسلح فقط. لقد أصبح مثبتاً أن أصول العنف المتصاعد ضد المرأة خلال فترة النزاع المسلح تعود إلى المرحلة السابقة لذلك إلى عنف متأصل، وبهذا السياق ندعوا جميع المنظمات النسائية العربية والعالمية ومنظمات حقوق الانسان المطالبة و الاصرار على مناهضة العنف ضد المراة وخاصة اثناء النزاعات المسلحة التي تشهدها بعض الدول العربية، والى تطبيق المواثيق الدولية لحماية النساء والاطفال بهذه الدول، والحد من القهر والظلم والاعتداء الذي يرتكب ضد هؤلاءعندها يكون الاحتفال بيوم المراة العالمي له مغزى