أخر الأخبار
الهدم في وادي الحمص: ردود فعل متأخرة وعاجزة
الهدم في وادي الحمص: ردود فعل متأخرة وعاجزة

قيام سلطات الاحتلال بهدم عشرة مبانٍ في حي واد الحمص في صور باهر جنوب شرق القدس يمثل جريمة حرب بشعة تستهدف تهويد ما تبقى من القدس وتهجير سكانها منها حتى في المناطق التي لم تكن إسرائيل ترغب فيها وصنفت على أنها مناطق (أ). وبهذه الجريمة النكراء التي تشرد عشرات المواطنين الفلسطينيين لم يعد هناك أي نوع من الالتزام الإسرائيلي ببقايا اتفاق "أوسلو"، الذي خرقته إسرائيل بدءاً بعدم تنفيذ نبضة الانسحاب الثالثة والأخيرة، والتي بموجبها تنسحب قوات الاحتلال من غالبية مناطق(ج) باستثناء المستوطنات والمواقع العسكرية المحددة. واستمر هذا الخرق بالاعتداء على مناطق سيطرة السلطة الوطنية بالاقتحامات والاعتقالات وعمليات القتل وصولاً إلى أكبر عملية هدم في القدس بعد هدم حي باب المغاربة.
من الطبيعي أن تلقى عملية الهدم الإسرائيلية إدانات على نطاق واسع من قبل المنظمات الدولية والدول والمجموعات المختلفة باستثناء الولايات المتحدة بطبيعة الحال. ولكن هذه الإدانات وعمليات التنديد والشجب ماذا يمكنها أن تفعل لتساعد من فقدوا بيوتهم. وماذا فعلت في الماضي لتوقف جرائم الاحتلال وممارساته القمعية وانتهاكاته للقوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية التي ترفض الاحتلال وتطالب بإنهائه والتي في أسوأ الأحوال تنظم العلاقة بين الاحتلال والشعب الخاضع له. وإن أردنا الحقيقة فالمواقف الفلسطينية كانت ضعيفة وعاجزة، حيث ما كان ينبغي أن نسمح للاحتلال بهدم البيوت. ولم نفعل شيئاً لمنعه على الرغم من أن الجميع عرف بقرار المحكمة العليا الإسرائيلية التي رفضت دعوى الفلسطينيين لمنع الهدم، وعرفنا كذلك بالتحضيرات الإسرائيلية للهدم بما في ذلك إبلاغ المواطنين بالإخلاء، وبحشد قوات إسرائيلية كبيرة لمنع مقاومة أصحاب البيوت لعملية الهدم. والسؤال هنا لماذا لم تتحرك الفصائل كما فعلت في الخان الأحمر؟ علماً بأن حي وادي الحمص هو خاضع للسيطرة الفلسطينية الكاملة أمنياً ومدنياً أي منطقة(أ) في معظمه؟
كان يجب أن تتحرك السلطة بشكل قوي وفاعل لمنع الهدم بما في ذلك إرسال قوات فلسطينية لحماية المواطنين في منطقة خاضعة لها تماماً. ولو وجد الإسرائيليون لارتدعوا ولحصلت هناك أزمة جدية يمكنها أن توقف الهدم، أو ليحدث ما يحدث، فلم يعد هناك شيء يمكن خسارته بعد ما وصلنا إليه من وضع بائس وهوان. ولا ينفعنا الآن أن نبكي ونلطم ونشجب ونستنكر ونرجو العالم وحتى أن نذهب لمحكمة الجنايات الدولية، ليس لأن هذا خطأ أو لأننا ينبغي ألا نفعل، بل لأن إسرائيل محمية دولية بقوة ظالمة كبرى تغطي على جرائمها وتسمح لها بارتكاب المزيد وتشجعها على مخالفة القوانين الدولية وانتهاك كل الأعراف وقواعد السلوك الدولي. ويكفي إسرائيل أن سفير هذه الدولة العظمى هو مستوطن ويشارك بيديه وبمطرقته في حفر نفق استيطاني تحت القدس بشكل مخالف للقرارات الدولية. ولا يمكن أن نعول على عمليات الإدانة والشجب ولا حتى المحاكم الدولية التي تحتاج لسنوات طويلة حتى تنعقد أصلاً في ظل الحماية الأميركية والشراكة في الجريمة ضد الشعب الفلسطيني، تحت مسميات "صفقة القرن" وغيرها.
نحن بحاجة إلى طريق آخر نسلكه مع الاحتلال الإسرائيلي، طريق للتصدي الميداني للجرائم التي تنفذ بحق شعبنا وأرضنا. طريق يعتمد على قوة الشعب وطاقاته الجبارة. تخيلوا لو أن عشرة آلاف مواطن ذهبوا إلى حي وادي الحمص ومنعوا بأجسادهم قوات الاحتلال من الوصول إلى البيوت التي هدمت، أو لو دافعت السلطة عن مناطقها ونشرت هناك قوات شرطة وأمن وطني لحماية المواطنين والبيوت من الهدم. لا شك أن أحد هذين الخيارين يمكنه أن يخلق أزمة لإسرائيل ويعيق الهدم ويسمح للمجتمع الدولي بالتدخل والضغط على إسرائيل.
ما حصل في وادي الحمص يعبر عن تراجع مقاومة الاحتلال التي لم يتبق منها سوى شعارات تطلقها الفصائل للتسول على معانيات ودماء شعبنا، أو لتدرأ عنها تهمة التخاذل والتخلي عن المقاومة. ونحن لا نقصد المقاومة المسلحة في هذه المرحلة لأننا ندرك أن الظروف الراهنة الذاتية والموضوعية ليست مناسبة، والضرر الذي يصيبنا هو أكبر من الفائدة، وقطاع غزة يشكل النموذج الحي للخسارة والثمن الباهظ الذي يدفعه الشعب مقابل حالة استكساب فصائلية مقيتة. إننا في أشد الحاجة لإعادة الاعتبار للمقاومة الشعبية الواسعة وتفعليها بشكل واسع وللعودة إلى ما يشبه الانتفاضة الأولى في سنواتها ما قبل عام 1990.
والعودة للنضال الشعبي والحراك الجماهيري الواسع بحاجة إلى بناء جسور الثقة بين المواطنين والمستويات القيادية بعد أن تهدمت بفعل مصالح فردية وانشغال بالأنا على حساب حتى المصالح الحزبية الضيقة. وهنا يجب أن يكون الشباب الفلسطيني هو المستهدف بهذا الفعل. وللأسف، قطاعات الشباب مغيبة عن المشاركة الفعلية في صنع القرار أو مجرد أن تكون على صلة واطلاع على ما يجري في أروقة السياسة، ويجري استخدامها فقط في المناسبات البعيدة. وهذا لم يعد يفلح، فما عاد الشباب يشاركون في الفعاليات التي تدعو لها الفصائل والقيادات السياسية.
ولعل ما حصل إبان انعقاد ورشة البحرين والمشاركة الهزيلة في التحرك الشعبي هو نموذج للوضع الذي وصلنا إليه والانفصام بين مكونات المجتمع، عدا عن الإحباط الذي يلف الشارع بسبب استمرار الانقسام وسقوط شعارات الوحدة تحت حسابات لا علاقة لها بالوطن.