نشرت مجلة «الايكونوميست» البريطانية تقريراً لافتاً للانتباه، والتقرير بلا مصادر على رفعة في المستوى، وبلا مصادر ُمشهّرة ايضاً، لكنه غزير بالمعلومات، دون أن يعرف أحد مدى صدقيتها، لكننا نناقشها.
يقول التقرير إن الأردن يطالب سراً بتعويضات للدولة وليس للأفراد، عن وجود اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، بقيمة نصف مليار دولار سنوياً، منذ عام ثمانية واربعين، أي أن المبلغ الذي يريده الأردن، سواء بقي اللاجئون هنا أو عادوا، يتجاوز الثلاثين مليار دولار، وهذا تعويض للدولة، وليس للافراد الذين لم نعرف تسعيرتهم حتى الآن!!
لا يتحدث التقرير عن تعويضات الأفراد وقيمتها، بل يقول ان هناك خشية بين اللاجئين، من ان يتم توطينهم هنا، فيما لا يحصلون على تعويضات عن ممتلكاتهم المفقودة، ويتم الدفع للدولة فقط، مقابل بقاء هؤلاء.
التقرير يتحدث عن «ضيق اردني غير معلن» الى حد ما من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، خوفاً مما أسماه انتقال الدور الوظيفي للأردن أي العزل بين العرب واسرائيل، أو إسرائيل والجزيرة العربية، الى الدولة الفلسطينية الجديدة.
هذا يعني أن مزايا الدور الإقليمي وفواتيره ستنتقل الى دولة اخرى جديدة ما سيؤثر على الاردن، على الصعيد الاستراتيجي.
أعتقد بصراحة أن الاردن لم يصل بعد الى نقطة التباحث حول التعويضات المالية، للدولة او الافراد، لأن وزير الخارجية الامريكي لم يقدم حتى الآن خطة الإطار التي يشتغل عليها منذ فترة طويلة، فما بالنا بتنفيذ الإطار والدخول الى الحل النهائي؟!.
في ذات الوقت فإن رقم التعويضات التي تم نشرها في «الايكونوميست» يبدو رقماً بسيطاً جداً، لأن التعويضات في النهاية ستدفعها الدول النفطية العربية، التي تمتلك ارصدة بآلاف المليارات، كما أن الرقم يبدو منخفضاً لأن قيمة التعويض عن عام مثل ثمانية واربعين، لايمكن أن تقارن بعام آخر مثل العام 1990 وبعد حرب الخليج، والقياسات هنا متعددة.
هذا عدا عن أن الحل بالنسبة لكثيرين ليس ماليا، فالدول قد تطالب بالتعويضات، غير أن عليها أن تعرف ان كثرة من اللاجئين يريدون العودة، وهذا طبيعي جدا، فلماذا يتنازل هؤلاء اصلا عن حق العودة؟!.
ولماذا يفترض البعض انهم يريدون التوطين اساسا، وأين هي الجرأة السياسية لتصفية القضية الفلسطينية، باعتبارها ستدر دخلا اضافياً؟!.
في سياق قريب فإن كلام الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل يومين، مثير في ايحاءاته الضمنية، إذ قال إن اللاجئين قد يعود بعضهم الى «اسرائيل»، وبعضهم الى الدولة الفلسطينية، وبعضهم سيبقون حيث هم، وسيتاح لآخرين الهجرة الى كندا.
هذا كلام غير جديد لأن هذا هو إطار كيري، الذي تم استمداده من خطة كلنتون اساسا، والمثير هنا يتعلق فقط بالإيحاء في تصريح الرئيس، حين يقول عمليا إن من يريد من الفلسطينيين ان يتخلى عن هويته السياسية العربية الحالية او الدولية الحالية، ويرغب بالعودة الى «اسرائيل» السياسية، اي التحول الى «إسرائيلي سياسيا»..فليتفضل!.
الرئيس يضع اللاجئين امام خيار البقاء ضمن هوياتهم السياسية الحالية في الدول التي يعيشون فيها ويحملون جنسياتها، او التصهين والتحول الى اسرائيليين تحت مسمى حق العودة، وهو هنا وإن كان واقعيا، فإنه يدفع الناس باتجاه النفور من هكذا صيغة.
إذا كانت توصيفات تقرير «الايكونوميست» دقيقة، بشأن القلق الأردني من كيري، ونقل الدور الوظيفي ومزاياه الى الفلسطينيين، فهي تعني ضمنيا ان الاردن سيكون معنياً بتعثر عملية السلام، اكثر من نجاحها فعلياً، وهذا اتهام ليس سهلا، بالمطلق,وهذا يقودنا الى سؤال آخر حول دقة التأكيدات الرسمية حول ان واشنطن تضع عمان في صورة كل شيء؟!.
قضية فلسطين تحولت الى قضية مزاد ومن يدفع اكثر، ومن سيقبض اكثر، ومن سيستفيد اكثر، الدول أم الأفراد، وتم نزع كل «الهالات المقدسة» عن هذه القضية ودرتها في القدس، نحو عنوان جديد يقول من سينال وجبة عشاء جيدة قبل الرحيل الآخير.
لم يبق إلا أن يطالبنا العالم بمنحهم خصومات على فلسطين!.