لا يمكن فصل قضية شهيد المعبر القاضي رائد زعيتر عن مجمل الاستفزازات الإسرائيلية للأردن , من تهويد القدس الى اطلاق التصريحات العدائية عن الوطن البديل والترانسفير وباقي مسلسل الاستفزازات غير المنتهية لا يبدو أنها مرشحة للانتهاء .
كذلك لا يجوز الصمت على ترهل السلطة الوطنية الفلسطينية واستكانتها لبقاء الاحتلال وجنوده على المنفذ البري بينها وبين الأردن , في مخالفة واضحة لكل الاتفاقيات الموقعة مع الكيان الصهيوني , لأن هذا التراخي والتسيُّب في الحقوق هو المسؤول عن الصهينة الإسرائيلية وعن دم الشهيد رائد زعيتر .
ضمن هذه الأبعاد يجب التعاطي الاردني الرسمي مع قضية استشهاد مواطن اردني على الحدود الاردنية الفلسطينية برصاص غدر صهيوني , وليس انتظار نتائج التحقيق التي ستقوم بها شرطة العدو والادعاء العام الصهيوني , ولدينا الكثير من التجارب المريرة والاكاذيب الطويلة , وليس أوَّلها أن الشهيد حاول خطف سلاح الجندي وربما تُظهر التحقيقات الصهيونية ان رائد عضو في خلية نائمة للقاعدة او غيرها وليس قاضيا نزيها يحمل كل مواصفات النزاهة والاحترام .
الدخول في تفاصيل القضية سيُفقدها نزاهتها وسيُفقدنا دورنا الوطني والسيادي , لأن وقوف الجندي الصهيوني ابتداءً على المعبر بسلاحه مخالف للاتفاقيات التي وقعها الاردن والسلطة الفلسطينية وهناك بند خاص في الاتفاقية يتحدث عن المعابر وشكل الوجود الصهيوني عليها .
وسواء حصل القاضي الشهيد على اجازة من المحكمة او لم يحصل فلا يُفقده حقه في المطالبة بدمه والقصاص لاستشهاده , فهذه تفصيلة ادارية وليست قضية سيادية بل ان التعاطي معها ونشرها يمنح الكيان الصهيوني مبررا لإلصاق الكثير من الأكاذيب وتوفر له نسج رواية تستند الى الإجازة من عدمها .
نستذكر ان الاردن رهن الاتفاقية بمجملها من اجل ترياق خالد مشعل , وكيف اذعن الكيان الصهيوني , ونستذكر ان سفيرنا في القاهرة هاني المُلقي أسمع رئيس جهاز امن الدولة هناك كلاما قاسيا لمجرد مطاردة سيارات مكافحة المخدرات نائبا معارضا ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين وقال له ان له ملكا وبلدا تصونه وتحميه وتلقى السفير والنائب السابق الاعتذار ,
بمعنى أن الدولة لها مخالب وانياب ولا تترك رعاياها أسرى للبطش والقتل وتصفية الحسابات , لكن ردود أفعال وزارة الخارجية حدّ اللحظة لا تتناسب وحجم الوجع الشعبي , فالشهيد يجلس على منصات الشرف القضائي وهو ليس ابنا لعائلة زعيتر فقط بل ابن لوطن من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه , واي راصد يرى حجم الحزن في عيون الأردنيين جميعا واي شخص قادر على متابعة التعليقات على المواقع الإخبارية ليرى أن الاردنيين من كل منابتهم واصولهم اهل للشهيد وليس عائلته ومحافظته .
قاضي المعبر الشهيد هو حلقة من مسلسل صهيوني متصل , وليس حدثا عابرا او جريمة قتل اعتيادية , بل جريمة اغتيال سياسية مقصود بها كل اردني وفلسطيني وانتهاك سافر للمعاهدة التي قبلها جزء يسير من الاردنيين لغايات وطنية فقط , وها هي تفقد حتى هذه الغايات الصغيرة , فلا حدودنا آمنة ولا ابناءنا بمأمن من رصاص الغدر والغيلة , فما جدواها اذن ؟
الكرامة الوطنية لا تتجزأ والدم الأردني غال ٍ, والموقف الرسمي يجب ان يصل الى مستوى الغضب الشعبي ويعبر عنه بكل امانة ونزاهة , ولا أظن أردنيا واحدا يقبل بالضيم ويسكت على الاهانة لأصغر مواطن اردني فكيف يرضاها لقاضٍ يجلس على منصات الشرف القضائي , فلترحمنا الخارجية وتُبرّد نارنا برد فعل حقيقي بإزالة الرجس عن أرضنا في الرابية ومن ثم مراجعة المعاهدة برمتها .
لن نُعزّي آل الشهيد وحدهم بل العزاء للأردنيين جميعا، ونسأل الله أن يتقبله شهيدا طاهرا كما يليق به .