أخر الأخبار
نتنياهو مديراً لمسرح دُمى
نتنياهو مديراً لمسرح دُمى

قبل أيام على الانتخابات الإسرائيلية، يتحرك نتنياهو في كل اتجاه بحثاً عن أوراق رابحة، تؤمّن له الاستمرار في تصدّر الحياة السياسية. 
لم تفلح كل المكافآت التي أغدقتها الإدارة الأميركية، والدعم المباشر والصريح، الذي قدمه دونالد ترامب، في أن يحسم نتنياهو المعركة الانتخابية السابقة لصالحه، فكانت النتيجة الفشل في تشكيل الحكومة وقرار الذهاب إلى انتخابات جديدة في السابع عشر من أيلول الجاري. 
وفي هذه المرة، أيضاً، لم تبخل الإدارة الأميركية على نتنياهو، فأقدمت على شطب السلطة الفلسطينية من خارطة خارجيتها للشرق الأوسط، ومنحته الضوء الأخضر، لإعلانه السيادة على المستوطنات. 
غير أن كل ذلك، لا يكفي لأن يطمئن ملك إسرائيل، لمستقبله السياسي، فأخذ يدير مسرح الدّمى، وفق حسابات لا تدفع الأوضاع إلى حرب شاملة، ولا تبقيها على حالها من الهدوء النسبي.
كان نتنياهو يعرف تماماً أن شن عدوان متكرر على العراق بذريعة ملاحقة الوجود العسكري الإيراني، وحليفه "الحشد الشعبي"، لا يمكن أن يأتي برد فعل من هناك. العراق يواجه العدوان الإسرائيلي بالكلام والتصريحات، ذلك أنه مكبل بأزماته العميقة وانقساماته، ومكبل بوجود أميركي مسيطر، وبوضع عربي لا علاقة له بكل ما يجري. ويعرف نتنياهو أنه سيواصل قصف أهداف يقول إنها إيرانية ولـ "حزب الله" في سورية، دون أن يتلقى رداً ذلك أن الردود اتخذت طابعاً تقليدياً يقف عند حدود التصدي للطائرات الإسرائيلية، دون أن تتمكن من ردعها.
سورية تملك أسلحة دفاع جوي قادرة على التعامل مع الطائرات الإسرائيلية لكن قرار استخدامها ليس بيد سورية، وإنما بيد الطرف الذي وفرها وهو روسيا، وحسابات روسيا، لا تبتعد كثيراً عن منطق ضمان أمن إسرائيل.
وفي حين لم تثر الاعتداءات الإسرائيلية على كل من العراق وسورية أي ضجة تمنح نتنياهو الفرصة للتبجح، بأنه الأقدر على حماية أمن إسرائيل، وتأكيد قدرتها على الردع، فإنه ذهب إلى حيث يمكن أن يحقق له ذلك.
العدوان الذي استهدف الضاحية الجنوبية، من خلال طائرات مسيّرة مفخّخة، ما كان له أن يمر هكذا دون رد سيكون هو الآخر محسوباً، وبالقدر الذي يمنح إسرائيل المبادرة إليه، لضبط تداعياته في الحدود التي تخدم نتنياهو.
ما صدر عن السيد حسن نصر الله، ينطوي على ثقة، بأن ثمة ردا سيكون من لبنان وفيه، ولا يتوقف على التصدي للطائرات المسيّرة، التي واصلت تحليقها، لكن كل المعطيات والمؤشرات تفيد بأن مثل هذا الرد سيكون موضعياً، ولا يرقى إلى مستوى توفير حوافز لنشوب حرب واسعة، لا يريدها أي طرف بما في ذلك إسرائيل.
يمكن أن يكتفي حزب الله، بالعملية التي استهدفت آلية عسكرية على طريق ثكنة "أفيفيم"، والتي تبعها تبادل لإطلاق النار، أدت إلى لجوء المستوطنين إلى الملاجئ لمسافة اربعة كيلومترات. غير أن تدمير الآلية من قبل "حزب الله"، وإصابة عدد من الجنود، قد يجر إلى تبادل للقذائف، وتصعيد من قبل إسرائيل، ولكن كل ذلك مع ما هو متوقع من تداعيات، لا يصل إلى مستوى توقع نشوب حرب واسعة.
أول الداعمين لنتنياهو كان نفتالي بينيت، رغم أنه لم يعد يحظى بإمكانية الحصول على مقاعد في الكنيست القادمة، لكن نتنياهو أراد أن يرفع مستوى التوتر، إلى التهديد القومي، الذي يلزم خصومه، بالوقوف إلى جانبه، وتجاهل الخلافات المرتبطة بالمناخ الانتخابي. فضلاً عن ذلك، فإن الإدارة الأميركية لن تتأخّر، في إعلان موقف داعم لنتنياهو، وحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وكأنها هي التي تتعرض للعدوان.
اللافت، الذي يقدم للفلسطينيين وغيرهم، أن اللبنانيين متحدون على موقف إدانة العدوان، والاستعداد للتصدي له ابتداءً من رئيس الجمهورية إلى كل التيارات السياسية، رغم كل ما بينها من خلافات، وبالرغم من الموزاييك الطائفي ذي الأبعاد السياسية والاجتماعية التي تميز المجتمع والنظام السياسي اللبناني.
يحرص نتنياهو على تهدئة الجبهة في الجنوب، ولكن دون مغادرة منطق التلاعب بهذا الملف. خلال ثمان وأربعين ساعة تعود إسرائيل لإرسال السولار الخاص بمحطة توليد الكهرباء في قطاع غزة، في إشارة إلى نجاح المخابرات المصرية في إقناع "حماس" و"الجهاد"، بضرورة ضبط النفس والامتناع عن الدخول على خط المواجهة في الشمال.
ما قدمه نتنياهو لغزة، بالنسبة لموضوع محطة توليد الكهرباء، أخذه بيمين السفير القطري محمد العمادي، الذي أعلن فجأة ودون تفسير للدوافع، عن أنه سيتوقف عن دفع نسبة 50% من مستحقات الكهرباء الواصلة إلى غزة.
تبادل في الأدوار، يفضح أبعاد الدور السياسي للمال القطري، ويبرئ إسرائيل من مسؤولية عدم الالتزام بالتفاهمات، لجهة الضغط على الفصائل في قطاع غزة للموافقة على تهدئة ملموسة بأبخس الأثمان. 
كل ذلك، على خلفية الأهداف الانتخابية لرئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يسعى لتحسين فرصه في الفوز من ناحية، وتخطي عقدة أفيغدور ليبرمان، الذي يملك القدرة على إفشال تشكيل حكومة يمينية، وربما لحشر منافسيه، للموافقة على تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسته تحت ضغط التهديد الأمني القومي، الذي بادر إليه نتنياهو.