أخر الأخبار
حين تكون الحرب لعبة مسرحية
حين تكون الحرب لعبة مسرحية
طوال الأسبوع الماضي تابع المراقبون باهتمام تطور الأحداث على ما يسمى الجبهة الشمالية لإسرائيل والمقصود حدودها مع لبنان، في ظل اندلاع حالة من التوتر الأمني بين إسرائيل و»حزب الله»، بعد قيام إسرائيل قبل عشرة أيام باستهداف أكثر من هدف قالت إنها لإيران وكذلك لـ»حزب الله»، ومن ثم ألحقتها بإرسال طائرتين مسيرتين مفخختين إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث معقل «حزب الله».

وهذا الأمر دفع «حزب الله» وعبر رئيسه السيد حسن نصر الله شخصيا، إلى توعد إسرائيل بالرد، هذا ما دفع بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية والذي كان قد تبجح بالإعلان عن مسؤولية إسرائيل بقصف أهداف في العراق، ولو بالتلميح قبل ذلك بأيام، والذي غامر بإيقاظ «العفريت النائم» في ضاحية بيروت الجنوبية، لأسباب انتخابية، إلى الخشية من أن ينقلب سحره عليه فتؤدي العملية كلها في نهاية المطاف إلى نتائج معاكسة تماما لما خطط له ولما هدف إليه.
لذا فإن الأسبوع الفاصل ما بين استهدف إسرائيل لخلية «حزب الله» في لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت ورد «حزب الله»، كان «حافلا» بالاتصالات من تحت الطاولة، أولا في محاولة وعبر الحليف الأميركي مع حكومة سعد الحريري، وكذلك عبر باريس، لإقناع الحزب بعدم الرد، وحين أيقنت إسرائيل بأن نصر الله لا يمكنه أن يبتلع الإهانة، دون رد يرضي غروره أولا وثانيا، يبقي على أدوات لعبة الحرب بين الجانبين، حيث يبدو أن لعبتها بين إسرائيل و»حزب الله» هي صورة مصغرة لصورتها بين أميركا وإيران، وكانت أيام الأسبوع ما بين «أحدي» القصف الإسرائيلي ورد «حزب الله»، كافية لإسرائيل بخدعة،  نفذتها بكل فصولها، ذلك أن ما يهم إسرائيل دائما هو ألا تقع خسائر في الأرواح في صفوفها، وحين ذلك أي قصف يبدو كما لو لم يكن.
هذه اللعبة تمارسها إسرائيل منذ سنوات على الجبهة الجنوبية مع «حماس» وأخواتها، حين تقوم هي بقصف مواقع أو حتى اغتيال «مقاومين» شريطة ألا يمس رأس «حماس» السياسي والعسكري، فيما ترد «حماس» ومقاومتها بقصف المناطق الخالية من السكان، أي وفق المثل الذي يقول، لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم، أي ما يحفظ «وهم الردع» لدى «حماس» ويحفظ لها ماء الوجه، وبما يحفظ لإسرائيل الاستمرار في التحكم بزمام الأمور، لدرجة أن هذه اللعبة باتت محفوظة عن ظهر قلب في جبهة الجنوب.
لكن ومنذ العام 2006، لم يحدث احتكاك عسكري مهم بين إسرائيل و»حزب الله»، لذا فإن «حزب الله» الذي لم يقبل عبر الوسطاء بعدم الرد، ما دفع إسرائيل للتفكير في الخدعة، والتي تمثلت أولا بوضع الدمى في العربات العسكرية المنتشرة في الشمال، وحيث إنه تم كشف هذه الدمى، كانت استخبارات إسرائيل تقوم في الوقت نفسه بإعداد كمين الخدعة في القاعدة العسكرية التي استهدفها فعلا «حزب الله»، وقد صوّر الحزب العملية وشوهدت العربات وهي تحترق وحتى صور الجنود القتلى والجرحى وسيارات الإسعاف تقوم بإخلائهم من المكان، ولكن خروج نتنياهو للإعلان بأن خسائر في الأرواح لم تقع في صفوف الإسرائيليين كشف كل هذه اللعبة، وإسرائيل بالمناسبة لا يمكنها أن تخفي خسائرها البشرية عن جمهورها، لذا فقد تحقق للطرفين ما يرضيهما وما يضع «حدا» لاحتمال اندلاع حرب لا يريدها الطرفان حتى لو كانت محدودة وضيقة. ما يرجح هذه الرواية هو ما أعلنه مصدر في «محور المقاومة» لصحيفة «الرأي» من أن 18 جنديا إسرائيليا كانوا في مرمى النار، إلا أن نصر الله رفض تنفيذ استهدافهم تفاديا لاندلاع الحرب.
في الحقيقة، إن ازدياد احتمالات الحرب في الشرق الأوسط، والتي يتوقع أن تكون إسرائيل وأميركا طرفا مباشرا فيها، يعتبر عامل ضغط انتخابي على قائمة الليكود وعلى بنيامين نتنياهو شخصيا، ذلك أن الرجل لا يعتبر شخصية أمنية في إسرائيل، بالمقابل فإن قائمة أزرق ـــ أبيض تعج برجال الأمن، بل هي بمثابة خيار امني انتخابي، ولعل هذا ما يفسر تنامي تركيز بيني غانتس على كيفية معالجة نتنياهو للعلاقة مع «حماس»، ومن هذه الزاوية فإن الدفع بحالة التوتر مع إيران وحلفائها في المنطقة ومنهم «حزب الله» و»حماس»، له هدف سياسي إسرائيلي/ أميركي، هو في حقيقة الأمر بعيد كل البعد عن الذهاب إلى حرب حقيقية مع إيران، فإسرائيل التي حققت أهم أهدافها منذ العام 2011 وبوجود الديمقراطيين في البيت الأبيض، دون أن تخسر رجلا واحدا، من خلال اندلاع الحروب الداخلية في عدد من الدول العربية، وأميركا/ ترامب التي انسحبت من سورية والعراق وتخطط للانسحاب من أفغانستان، والتي تتبع سياسة شد الحبل دون قطعه مع كوريا وفنزويلا، لن تنخرط في حرب حقيقية مع إيران، ولا بأي شكل من الأشكال.
حرب سيبرانية، أي إلكترونية على المواقع الإيرانية الخاصة بإدارة المفاعلات النووية، ممكنة، وحرب مسرحية بين إسرائيل و»حزب الله»، ممكنة، وحروب على الورق وفي الهواء، كل ذلك ممكن، لكن حربا نرى فيها جنودا إسرائيليين وأميركيين في الميدان، هذا أمر غير متوقع، إن لم يكن أمرا مستبعدا تماما، لكن شد الحبل أو إدارة اللعبة بحيث يتم إضفاء أجواء الحرب، هو هدف، يسعى من ورائه كل من الأميركيين والإسرائيليين لإقناع الدول العربية/ الخليجية وبالتحديد السعودية والإمارات، أولا بشراء الأسلحة وضخ الأموال في عجلة الاقتصاد الأميركي الذي يواجه تنافسا حادا مع الاقتصاد الصيني، ويضعه في تحدي أكثر من مركز كوني، وثانيا، للتقدم جديا على طريق إقامة التحالف الأمني أو على الأقل تطبيع علاقاتها مع إسرائيل ومن ثم الدفع بملف تصفية القضية الفلسطينية قدما، عبر ما يسمى بصفقة القرن.
ولو كان الأمر غير هذا لرأينا موقفا أميركيا مختلفا في اليمن على سبيل المثال، حيث تقاتل هناك السعودية والإمارات حليف إيران، دون أي تدخل أميركي نوعي، وحتى بعد إثارة مسألة مرور ناقلات النفط عبر مضيقي هرمز وباب المندب، والتي ظهرت بعد إعلان أميركا منع إيران من تصدير النفط، حاولت أميركا أن «تحتمي» بالقوات الدولية، أي نشر قواتها في مياه الخليج وبحر العرب ضمن قوات متعددة الجنسيات، وإيران تعي جيدا بأن كل الحديث الأميركي عن الحرب ما هو إلا جزء من إدارة اللعبة السياسية بمكر ودهاء، وهكذا تسير الأمور باتجاه عض الأصابع في أبعد الأحوال لاقتسام مناطق النفوذ على الأرض، على حساب العرب الضعفاء ذوي المال السائب والأرض المستباحة والشعوب المنكوبة بحكامها.