بعد سنوات مريرة من التشرد، ثار الشعب الفلسطيني على فقره وجوعه وإذلاله وتبديد هويته، وقرر مثل كل شعوب الأرض التي نالت حريتها وكرامتها والعيش على أرض وطنها الذي لا وطن لها غيره، قرر النضال والثورة وتقديم التضحيات، واستعمل كل وسائل النضال المشروعة وغير المشروعة، الديمقراطية منها وغير الملائمة، حتى نضجت ثورته وحركته السياسية، وبات للشعب الفلسطيني خياران لا ثالث لهما الأول الصمود على أرض الوطن في منطقتي الاحتلال الأولى عام 1948، والاحتلال الثانية عام 1967، والثاني العمل على استعادة حقوق المشردين المطرودين بالعودة إلى الوطن، إلى المدن والقرى التي طردوا منها، واستعادة ممتلكاتهم فيها وعليها، في اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع، ولكن المسيرة والنضال والتضحيات كانت أصعب من المتوقع وأبعد من المسافة المتاحة ما بين الحدود وقلب الوطن، وهو بعد خمسين عاماً مازال رافعاً راية الثورة والعودة والاستقلال.
الولايات المتحدة عملت على جعل وكالة الغوث عنواناً للتكيف ورفع سوية الفلسطينيين وتعليمهم ليكونوا عنواناً للقدرة والمهنية والتعلم ليتم استيعابهم لسوق العمل في بلدان الخليج العربي بعد عام 1948، ولكنها وجدت أن بقاء وكالة الغوث بعد سبعين سنة، ساعد على بقاء رمزية اللجوء والهوية الفلسطينية ويكون المرادف لحق العودة، فتعمل الأن على شطب عنوان اللجوء بهدف شطب عنوان حق العودة، وهي بالحالتين حينما دعمت ولادة الأونروا ، وحينما تسعى لقتلها ، تعمل في الحالتين على خدمة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، ومثلما فشلت في مسعاها الأول لتكييف الفلسطينيين ونسيانهم لوطنهم ودمجهم في سوق العمل لعشرات السنين، سوف تفشل مرة أخرى في شطب حق عودة اللاجئين والنازحين إلى فلسطين، كل فلسطين، إلى مناطق 48، كما لمناطق 67، واستعادة ممتلكاتهم وحقوقهم على أرض وطنهم .
المعارك سجال، والنضال كذلك، والمأساة لا تكمن في تفوق العدو الإسرائيلي، المأساة تكمن في الانقسام والشرذمة والتمزق الفلسطيني الذي يخدم العدو الإسرائيلي مجاناً، وتشبث طرفي الانقسام بالوظيفة والاستئثار بالسلطة، وطرفي الانقسام يتبجحان بما لديهما من شرعية رغم إدراكهما أن شرعيتيهما وأنبوب حياتهما يأخذانه من عدوهما الواحد المشترك، ومن عدوهما فقط وبكل مرارة.