أخر الأخبار
دفاعاً عن الربيع العربي
دفاعاً عن الربيع العربي

 

كتب معن البياري
يتسلَّحُ أَصحابُ فكرة تدبير أَميركا والغرب (والأطلسي!) الربيع العربي، أو نواتجه، بالتوترات الأَمنية والتأَزّمات السياسية والاحتكاكاتِ القبلية في تونس ومصر وليبيا، بزعم أَنَّ هذه، وغيرها، من دلائلَ على أَنَّ ثوراتٍ لم تحدث في هذه البلدان، وإِنما تغييرٌ في السلطة أَدارته غرفٌ في واشنطن وباريس (وتل أبيب؟). والمفارقة أَنَّ أُولئك إِنما يؤشرون على ما يؤكد أَنَّ العملية الثورية مستمرةٌ في بلدان الربيع العربي التي أَسقط شعوبُها وشبابُها جدران الخوف، لما بدؤوا في الميادين والشوارع مسارَ التغيير الذي لم يعلنوا بعد اكتمالَه، ففي بديهيّات السياسةِ أَنَّ الانتخابات، أَياً كانت مخرجاتُها، تكون فصيلاً في عملية انتقالٍ إِلى الحريةِ والعدالة الاجتماعية معقدة. ولا ينتسبُ زعمٌ رائجٌ أَن الربيع العربي فيلم أَميركي شربناه إلى غير السماجةِ، حين يُؤشِّر إعلى طوشةٍ مسلحةٍ بين قبيلتين في ليبيا دليلاً على ما اقترفه «الناتو» في هذا البلد، من دون أَن يُحدِّق أَصحاب هذا الكلام في تحولٍ عميقٍ يجري في ليبيا، وإِنْ ببطءٍ في غير مطرح وشأن، من مظاهره أَنَّ عدد النساءَ الفائزات في انتخابات المؤتمر الوطني يفوق عددهن في أي برلمانٍ عربي.
ما يجري في مصر من صراع واستقطاب، بشأن صياغةِ الدستور والاستفتاءِ على مشروعِه المطروح، وبشأن قرارات محمد مرسي، يؤكد أَنَّ عملية التحول الديمقراطي مستمرةٌ في مصر، وإِنْ بكيفياتٍ عويصة، حيث يُسقطُ شبانٌ وقوى وتكتلاتٌ مدنيةٌ حيوية، وهماً ربما تعزَّز عند إِخوانيين وإِسلاميين أَنَّ الديمقراطيةَ اقتناصٌ للسلطة، والفوزُ في انتخاباتٍ ترخيصٌ للاستئثار والاستحواذ. وتدلُّ المظاهراتُ في غيرِ مدينةٍ تونسية ضد التهميش وقلةِ التنمية والبطالة على عدم قبول التوانسة، ممثلين بقوىً ونقاباتٍ وتشكيلات أَهلية، وبشرائحَ عريضةٍ من الشبان، بالاكتفاءِ بخلع زين العابدين، من دون إقلاعِ عملية نهضةٍ وتقدم تنمويٍّ وسياسيٍّ وحقوقيٍّ عميقة، وتندرج إِضراباتٌ ينشط فيها الاتحاد العام التونسي للشغل، وكذا الإضرابُ الواسع غدا، في عمليةٍ نضاليةٍ، تشملُ الاحتجاجات الحادّة في سليانة على والٍ من حركة النهضة، وعلى تسلطٍ وتجبّرٍ لأَجهزة الأَمن، وتمثّلُ هذه الحراكاتُ الميدانيةُ إِشهاراً واضحاً من القوى المجتمعية على أَنَّ موجةً ثالثةً تشهدها تونس من ربيعها، تتزامنُ مع نظيرةٍ لها في مصر، بتعبير مقالةٍ للصديق محمود الريماوي في هذا الخصوص، رأَت أَنَّ الحادث في البلدين يُفاجئ من يرصدون أَوضاعهما مرَّةً ثالثة، بعد الأَولى في اندلاع الثورتين والثانيةِ في نجاح الإسلاميين الكبير في الانتخابات.
لا نُطبل ونُزمِّر لثوراتِ الربيع العربي كيفما اتفق، بل نرى وجوب أَنْ تتقدَّمَ الرؤية النقديةُ دائماً على كل إعجابٍ واحتفاء. وفي محلِّه قول حازم صاغية إِنَّ الثورة السورية تفتربُ من النصر، ما يجعلُ الحاجةَ إِلى نقدِها أَكثر ضرورةً. يُؤتى، هنا، على هذا البديهيِّ المؤكد مع القناعةِ بأنَّ الاشتباكَ السياسيَّ والمجتمعيَّ، العنيف أَحياناً، في مصر وتونس وليبيا واليمن، سيأخذ مداه الزمنيَّ الكافي، وسيُفاجئنا بما لم نحسب، وسيُصيبُ بعضنا بخيبةٍ في مسألةٍ وبغبطةٍ في أُخرى. وتلك الثورات الكبرى في التاريخ احتاجت سنواتٍ حتى تحققت أَهدافُها في الحرية والمساواة والعدالة، ولا يُغفل أَنَّ نابليون، بعد الثورة الفرنسية، والتي استمرت اضطراباتُ ما بعد نجاحِها عشر سنوات، نصَّبَ نفسَه امبراطوراً، واقترفَ استبداداً معلوماً. ... على من تحتلُّ مداركَه فكرةُ الغرفةِ الأَميركية التي تُزبِّط الربيع العربي أَنْ يقرأَ التاريخ والراهن جيداً، بدل تُشاطرِه البائس. عن الدستور الاردنية

كتب معن البياري
يتسلَّحُ أَصحابُ فكرة تدبير أَميركا والغرب (والأطلسي!) الربيع العربي، أو نواتجه، بالتوترات الأَمنية والتأَزّمات السياسية والاحتكاكاتِ القبلية في تونس ومصر وليبيا، بزعم أَنَّ هذه، وغيرها، من دلائلَ على أَنَّ ثوراتٍ لم تحدث في هذه البلدان، وإِنما تغييرٌ في السلطة أَدارته غرفٌ في واشنطن وباريس (وتل أبيب؟). والمفارقة أَنَّ أُولئك إِنما يؤشرون على ما يؤكد أَنَّ العملية الثورية مستمرةٌ في بلدان الربيع العربي التي أَسقط شعوبُها وشبابُها جدران الخوف، لما بدؤوا في الميادين والشوارع مسارَ التغيير الذي لم يعلنوا بعد اكتمالَه، ففي بديهيّات السياسةِ أَنَّ الانتخابات، أَياً كانت مخرجاتُها، تكون فصيلاً في عملية انتقالٍ إِلى الحريةِ والعدالة الاجتماعية معقدة. ولا ينتسبُ زعمٌ رائجٌ أَن الربيع العربي فيلم أَميركي شربناه إلى غير السماجةِ، حين يُؤشِّر إعلى طوشةٍ مسلحةٍ بين قبيلتين في ليبيا دليلاً على ما اقترفه «الناتو» في هذا البلد، من دون أَن يُحدِّق أَصحاب هذا الكلام في تحولٍ عميقٍ يجري في ليبيا، وإِنْ ببطءٍ في غير مطرح وشأن، من مظاهره أَنَّ عدد النساءَ الفائزات في انتخابات المؤتمر الوطني يفوق عددهن في أي برلمانٍ عربي.
ما يجري في مصر من صراع واستقطاب، بشأن صياغةِ الدستور والاستفتاءِ على مشروعِه المطروح، وبشأن قرارات محمد مرسي، يؤكد أَنَّ عملية التحول الديمقراطي مستمرةٌ في مصر، وإِنْ بكيفياتٍ عويصة، حيث يُسقطُ شبانٌ وقوى وتكتلاتٌ مدنيةٌ حيوية، وهماً ربما تعزَّز عند إِخوانيين وإِسلاميين أَنَّ الديمقراطيةَ اقتناصٌ للسلطة، والفوزُ في انتخاباتٍ ترخيصٌ للاستئثار والاستحواذ. وتدلُّ المظاهراتُ في غيرِ مدينةٍ تونسية ضد التهميش وقلةِ التنمية والبطالة على عدم قبول التوانسة، ممثلين بقوىً ونقاباتٍ وتشكيلات أَهلية، وبشرائحَ عريضةٍ من الشبان، بالاكتفاءِ بخلع زين العابدين، من دون إقلاعِ عملية نهضةٍ وتقدم تنمويٍّ وسياسيٍّ وحقوقيٍّ عميقة، وتندرج إِضراباتٌ ينشط فيها الاتحاد العام التونسي للشغل، وكذا الإضرابُ الواسع غدا، في عمليةٍ نضاليةٍ، تشملُ الاحتجاجات الحادّة في سليانة على والٍ من حركة النهضة، وعلى تسلطٍ وتجبّرٍ لأَجهزة الأَمن، وتمثّلُ هذه الحراكاتُ الميدانيةُ إِشهاراً واضحاً من القوى المجتمعية على أَنَّ موجةً ثالثةً تشهدها تونس من ربيعها، تتزامنُ مع نظيرةٍ لها في مصر، بتعبير مقالةٍ للصديق محمود الريماوي في هذا الخصوص، رأَت أَنَّ الحادث في البلدين يُفاجئ من يرصدون أَوضاعهما مرَّةً ثالثة، بعد الأَولى في اندلاع الثورتين والثانيةِ في نجاح الإسلاميين الكبير في الانتخابات.
لا نُطبل ونُزمِّر لثوراتِ الربيع العربي كيفما اتفق، بل نرى وجوب أَنْ تتقدَّمَ الرؤية النقديةُ دائماً على كل إعجابٍ واحتفاء. وفي محلِّه قول حازم صاغية إِنَّ الثورة السورية تفتربُ من النصر، ما يجعلُ الحاجةَ إِلى نقدِها أَكثر ضرورةً. يُؤتى، هنا، على هذا البديهيِّ المؤكد مع القناعةِ بأنَّ الاشتباكَ السياسيَّ والمجتمعيَّ، العنيف أَحياناً، في مصر وتونس وليبيا واليمن، سيأخذ مداه الزمنيَّ الكافي، وسيُفاجئنا بما لم نحسب، وسيُصيبُ بعضنا بخيبةٍ في مسألةٍ وبغبطةٍ في أُخرى. وتلك الثورات الكبرى في التاريخ احتاجت سنواتٍ حتى تحققت أَهدافُها في الحرية والمساواة والعدالة، ولا يُغفل أَنَّ نابليون، بعد الثورة الفرنسية، والتي استمرت اضطراباتُ ما بعد نجاحِها عشر سنوات، نصَّبَ نفسَه امبراطوراً، واقترفَ استبداداً معلوماً. ... على من تحتلُّ مداركَه فكرةُ الغرفةِ الأَميركية التي تُزبِّط الربيع العربي أَنْ يقرأَ التاريخ والراهن جيداً، بدل تُشاطرِه البائس. عن الدستور الاردنية