غدا السبت، سيصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى واشنطن، ليلتقي صبيحة الاثنين بالرئيس الأمريكي باراك أوباما، في قمة ثنائية، يُعتقد أنها ستكون محطة مفصلية في مسار «الوساطة» الأمريكية بين الفلسطينيين والإسرائيليين ... المصادر هنا في واشنطن، تتحدث عن «مفاوضات صعبة»، مردها أن واشنطن راغبة في إنجاز «اتفاق الإطار» فيما الفجوة بين الأطراف ما زالت على اتساعها.
قمة نتنياهو – أوباما قبل أسبوعين، لم تحرز التقدم المتوخى منها ... رئيس الحكومة الإسرائيلية، ضيف «الأيباك» السنوي، تصرف كـ «الطاووس» في واشنطن، وعاد إلى تل أبيب بمواقف أكثر تشدداً من القضايا الخلافية: وضع اسقاط حق العودة والاعتراف بيهودية الدولة، كشرطين مسبقين، «فتحة عداد»، لأية مفاوضات أو اتفاقات لاحقة، وأصدر الأوامر ببناء وحدات استيطانية في القدس، وأبقى الباب مفتوحاً أمام قطعان المتطرفين من المتدينين اليهود، لتدنيس المسجد الأقصى، وأعطى الضوء الأخضر لسلاح الجو الإسرائيلي بتصعيد عملياته في قطاع غزة.
نتنياهو يريد أن يكون الغائب الحاضر على مائدة القمة الأمريكية – الفلسطينية ... أراد تذكير المجتمعين في واشنطن، بأن سلطة الرئيس عباس تتوقف عند حدود المقاطعة، وأن غزة ما زالت خارج «ولايته العامة»، وأنها ترزح تحت سلطة «الإرهاب» الذي تمثله حماس والفصائل الحليفة لها.
أثناء زيارته هو شخصياً إلى واشنطن، أدار عملية استعراضية من الطراز الهوليوودي الرفيع، عندما كشف في توقيت غريب من نوعه، عن سفينة الأسلحة السورية / الإيرانية (التي مرت بالعراق) في طريقها إلى غزة عبر السودان، أراد ضرب محور بأكمله بحجر واحد ... لكن العالم المنشغل بالأزمة الأوكرانية والطائرة الماليزية، فضلاً عن ملفات أخرى أكثر أهمية، لم يتوقف طويلاً أمام الاستعراض الإسرائيلي، بل وقابله بصمت أثار «الفزع» و»الهستيريا» في الأوساط الأمنية والسياسية الإسرائيلية ... كان لا بد من إنتاج «ملحق» لتلك المسرحية على عجل، لجذب الانتباه من جديد لـ «تحدي الإرهاب الفلسطيني»، بدأ التصعيد على غزة، واستأنفت السلطات الإسرائيلية هوايتها المفضلة في ممارسة القتل الجماعي للفلسطينيين، سقط ستة شهداء، وعاد نتنياهو للتهديد والوعيد.
خلاصة الأمر، أن عباس سيواجه لحظات صعبة في محادثاته مع أوباما ... لكنها لحظات أقل صعوبة من تلك التي واجهها سلفه الراحل ياسر عرفات مع بيل كلينتون في العام 2000، بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد ... نتنياهو يجعل مهمة عباس أقل صعوبة، بخلاف إيهود باراك، الذي نجح في رسم صورة لنفسه، كـرجل سلام و»رائد» من روّاده ... نتنياهو والائتلاف الذي يقف على رأسه، لا يخفي ما يريد، بخلاف إيهود باراك، وما يريده لا يمكن أن ينسجم مع شروط الحد الأدنى التي تستطيع واشنطن أن تبتلعها وتهضمها قبل أن تعيد إنتاجها على شكل «اتفاق إطار».
ما قاله جون كيري أمس الأول أمام الكونغرس، يصلح لتلخيص حصيلة ثمانية أشهر من المفاوضات والوساطات ... قالها الرجل بلغة دبلوماسية ملطفة، تسعى في تخفيف وقع الفشل الذي آلت إليه جهوده ومحاولات: أزمة الثقة بين الجانبين ما زالت على اتساعها، بل وتزداد اتساعاً ... ضارباً عرض الحائط بكل تصريحاته المتفائلة السابقة، وأحاديثه المتكررة عن «إحراز تقدم» ... والحقيقة أنها ليست أزمة ثقة فحسب، هي أبعد من ذلك، هي تعبير عن الصراع الدائر بين الجانبين، ما زال في ذروة اشتعاله، وأن الفجوة بين المواقف ليست من النوع القابل للتجسير في ظل موازين القوى والمعطيات القائمة حالياً وفي المدى المنظور.
لكنها واشنطن، تعجز في لحظة الحقيقة والاستحقاق عن النطق بالحقيقة، تحيل التعنت الإسرائيلي المسؤول وحده عن فشل كيري، إلى «أزمة ثقة»، توزع المسؤولية عنها بالتساوي بين الجانبين، وغالباً ما تلقي بالمسؤولية الأولى على الجانب الأضعف، الفلسطينيين ... لكننا اليوم بتنا نعرف كيف ستبرر واشنطن، طلبها تمديد المفاوضات، بتنا نعرف مبدئياً الصيغة شبه الختامية للبيان الذي ستنعى فيه واشنطن مهمة كيري، بعد أن أيقنت أو هي في طريقها إلى اليقين، من أن نتنياهو وحكومته، لا يريدان السلام مع الفلسطينيين، وليسا مستعدين للوفاء بالتزاماته واستحقاقاته.
ولنا أن نتخيل سيناريو يكون فيه الوضع معكوساً، كأن يكون الرئيس عباس وليس نتنياهو، هو الشوكة في حلق كيري ومهمته، ساعتئذ كنا سنرى «القيامة الآن»، أو بعد قليل، كانت الدنيا ستُقام ولا تُقعد ... ولكنا شهدنا عمليات التعبئة والتحشيد والعقوبات ونزع الشرعية والتفكير بالبدائل، وصولاً إلى إعطاء الضوء الأخضر بالاغتيالات: أليس هذا ما فعله أريئيل شارون مع ياسر عرفات، وبضوء أخضر من جورج بوش الابن؟!