على طريقة قادة الغزاة عبر كل مراحل التاريخ الذين خدعتهم اللحظة التاريخية التي إختطفوها في لحظة إهتزاز المعادلات الكونية أعلن بنيامين نتنياهو وهو يرفع اصبعه في وجه السماء أنه لن يقيم سلاماً مع الفلسطينيين ما لم يتخلوا عن حق العودة ويسقطوه ومالم يعترفوا بالدولة الإسرائيلية القائمة الآن ،التي من الواضح ان رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يثق لا ببقائها ولا بإستمرارها، على أنها دولة يهودية.
ولعل بنيامين نتنياهو لا يدرك وهو يصر على الإعتراف الفلسطيني بدولة يهودية أنَّ شرعية الوجود الإسرائيلي كشعب وكدولة متوقفة على قرار الفلسطينيين وإعترافهم وأنَّ كل هذه الجيوش التي تحشد والأسلحة الأميركية المتطورة التي تأتي من وراء البحار لا قيمه لها إطلاقاً إلاَّ في قتل أهل البلاد الفعليين والحقيقيين وعلى طريقة «الكاوبوي اليانكي» مع الهنود الحمر وأن وجود هذه الدولة وبقاءها رهن قرار أصحاب الأرض الذين لا يمكن أن يتخلوا عن أرضهم مهما طال الزمن ومهما استمرت خطيئة التاريخ.
إنه على بنيامين نتنياهو أن يدرك أن جنازير الدبابات لا تثبِّت حقاً لغير صاحبه وأن رسم الخرائط بالقوة المستوردة من وراء البحار لا يمكن أن يبقى ويستمر وإنَّ هذه الإملاءات التي يحاول فرضها على الشعب الفلسطيني تحت وهم القوة والتفوق لا يمكن أن تتم فالتاريخ منذ نهايات أربعينات القرن الماضي قد تغير كثيراً ولعل ما لا يريد أن يعرفه هذا المجنون بداء العظمة أنَّ عقدة الذنب التي كان يشعر بها الغرب تجاه الإسرائيليين لم تعد موجودة وأنَّ العالم «قرف» هذه الدولة ولم يعد يحتمل ما يمارسه قادتها من ظلم وقهر وزندقة وتهور وعدوان ظالم على شعب هو أحق كثيراً من الشعب الإسرائيلي في العيش على هذه الأرض.
إنَّ هناك حقائق تاريخية لا يمكن أن تزول بتقادم الزمن ولا بقوة التفوق العسكري المستورد والمستعار ومن بين هذه الحقائق أنَّ أي قائد فلسطيني لا يستطيع حتى وإنْ كان بقوة «شمشون» العظيم أن يتنازل لـ»بنيامين نتنياهو» عن حقِّ العودة فهذا الحق مرتبط بالإرادة الإلهية وبالتكوين وبالتاريخ وبالإنجازات الحضارية فوق هذه الأرض وفوق هذه الجبال والأشجار والغابات وهي مرتبطة بالهواء وبالشمس والأمطار.. وبمقابر وأضرحة الجدود الذين بنوا كل هذه المدن وكل هذه القرى والذين خلفوا حضارة لا يمكن أن تلغيها بساطير جيش الدفاع الإسرائيلي ولا «رزالات» المستوطنيين الذين يظنون واهمين أنهم أصبحوا يمسكون باللحظة التاريخية وإلى الأبد.
إنَّ هذه الدولة التي يريد بنيامين نتنياهو أن يفرض على أهل الأرض أن يعترفوا بها تحت ضغط البطش وقوة السلاح والمتفجرات وأزيز الصواريخ والطائرات وهدير المدافع هي سلسلة طويلة من الزنازين والمعتقلات وهي مجرد أكوام من «البركسات» العسكرية والمعروف أن زنازين ومعتقلات جبابرة التاريخ قد أزيلت كلها وأن كل «بركسات» الجنود الغرباء قد رحلت معهم وأن الأرض بقيت لأصحاب الأرض وان الخطأ التاريخي لا يمكن أن يستمر وأن «العربدة» لا تبني علاقات دائمة وأن من يريد العيش في هذه البلاد عليه ألاَّ يتصرف بكل هذا النزق وبكل هذه النزعة الشوفينية البغيضة.
إطلاقاً لا يمكن إسقاط حق العودة فهذا قدرٌ إلهي مقدس وإطلاقاً لن يكون هناك إعتراف بدولة يهودية لا في فلسطين.. ولا من النيل إلى الفرات ولعل ما يجب أن يدركه بنيامين نتنياهو وكل مَنْ هُمْ على شاكلته من القادة الإسرائيليين أنَّ كل ما تشهده هذه المنطقة سوف يرتد عليهم وهم سوف يدفعون الثمن غالياً إنْ بقوا يركبون رؤوسهم على هذا النحو فهذه الأمة ،الأمة العربية، استوعبت كل غزاة التاريخ الذين مروا بهذه البلاد واستوعبت إمبراطوريات كانت بلغت ذروة التفوق في لحظة زمنية معينة والمؤكد الذي لا نشك فيه لحظة واحدة أنَّ بقاء إسرائيل في هذا المدى الجغرافي متوقف على تخلي قادتها عن عنجهياتهم ومتوقف على قبولها بالعيش المشترك مع أهل البلاد الحقيقيين.. وإلاَّ فإن دروس التاريخ لا تزال شاخصة أمامنا وأنه على الإسرائيليين ألاَّ يبقوا يسيرون وراء المغامرين من قادتهم الذين لا يدركون أن عجلات الزمان متحركة ودوارة.