أخر الأخبار
في إسرائيل اليمين يصارع اليمين
في إسرائيل اليمين يصارع اليمين

لا يخفى على أحد من المتابعين للشأن الإسرائيلي أنه ومنذ دخول حزب كاديما الإسرائيلي كمنافس لحزب الليكود في انتخابات الكنيست الـ17، بات الصراع على الفوز في الانتخابات محصورا داخل معسكر اليمين، نظراً لتلاشي ما كان يعرف باليسار نتيجة لعدة عوامل أهمها الإنجراف الكبير من قبل الجمهور الإسرائيلي نحو يمين الساحة الإسرائيلية نتيجة لعدم ثقته في عملية التسوية مع الفلسطينيين، ونتيجة لغياب الزعامات ذات الكاريزما القيادية من حزب العمل بعد مقتل رابين وخروج بيريس من العمل السياسي وهروب أمراء العمل إلى حزب كديما. وعليه فإننا أمام ظاهرة سياسية واضحة بقوة في المشهد الإسرائيلي بدأت بالبروز منذ أول فوز لليكود في إنتخابات الكنيست 9 عام 1977 بعد 28 عاماً من تفرد حزب العمل بالحكم في إسرائيل فيما عرف بالإنقلاب السياسي.
ويسجل هنا أنه خلال 12 معركة انتخابية خاضها اليمين الإسرائيلي ممثلا في الليكود والأحزاب اليمينية العلمانية والدينية التي تتغير مسمياتها مع كل دورة انتخابية، لم يهزم اليمين الإسرائيلي سوى في ثلاث جولات انتخابية وهي على النحو التالي:
- إنتخابات الكنيست الـ12 في يونيو 1992
- انتخابات الكنيست الـ14 في مايو 1999.
- انتخابات الكنيست 17 في عام 2006.ولم تكن هذه الهزائم وليدة قوة في معسكر اليسار أو في معسكر الوسط بقدر ما جاءت نتيجة للتناحر والخلاف بين أقطاب اليمين، سواء على مستوى حزبي أو على مستوى شخصي، باستثناء هزيمة الليكود في انتخابات العام 1992 التي جاءت نتيجة لتصلب رئيس الحكومة الأسبق زعيم الليكود يتسحاق شامير في مواقفه السياسية، وعدم التعاطي مع التوجهات الأمريكي حيال ترتيب أوراق المنطقة بعد الحرب على العراق في العام 1991.
- منذ العام 2009 وهو العام الذي تولى فيه بنيامين نتنياهو زعيم الليكود مقاليد الحكم للمرة الثانية، واليمين الإسرائيلي يتفرد بحكم إسرائيل ويزداد قوة مقابل تراجع شعبية أحزاب اليسار والوسط حتى بدت الإنتخابات في دورتها الثانية والعشرين الأخيرة وكأنها صراع بين أقطاب اليمين ليس إلا.
فعليا لم يحصل معسكر اليسار في إسرائيل إلا على (24) مقعداً مقسمة على النحو التالي , القائمة العربية المشتركة (13) مقعداً، العمل غيشر (6) مقاعد، وقائمة المعسكر الديمقراطي (5) مقاعد. وباقي مقاعد الكنيست (96) ذهبت لأعضاء كنيست يميني التوجه. فحسب معايير تقسيم الأحزاب في إسرائيل وهي في الأساس تعتمد الموقف السياسي من قضية السلام مع الفلسطينيين كمعيار رئيسي لتحديد هوية الحزب سواء كان يمينياً أو يسارياً أو وسطاً، فإنه لا يمكن إعتبار حزب أزرق أبيض بزعامة رئيس الأركان السابق بني غانتس وعضوية وزير الدفاع السابق موشي يعلون ورئيس الأركان الأسبق غابي أشكنازي وما يملكونه من آراء يمينية متطرفة تجاه الفلسطينيين لا يمكن إعتبارهم حزب وسط إلا كنوع من تضليل للناخب الإسرائيلي على إعتبار أن الساحة الإسرائيلية تحتاج إلى حزب وسط.

كما أن مواقف ليبرمان أكثر يمينية من الليكود، فبالتالي الصراع حقيقة يدور في معسكر اليمين تحت مسميات مختلفة.
الاختلاف الوحيد بين الليكود وأزرق أبيض، أن الأخير لم ينساق خلف حملة التحريض التي شنها الليكود بزعامة نتنياهو ضد المواطنين العرب في إسرائيل، في المقابل لم يقدم أي وعود إنتخابية للناخب العربي سواء على الصعيد القومي، حيث إفتقر برنامجه السياسي لأي رؤية لحل الصراع على قاعدة حل الدولتين، وأيضاً دون الرجوع عن الكثير من القوانين العنصرية التي أقرتها حكومات اليمين ضد الأقلية العربية في إسرائيل.
لقد تغير شكل الإستقطاب في الإنتخابات الأخيرة، فلم يعد الشارع الإسرائيلي منقسماً بين اليمين واليسار على أساس المواقف الإيدلوجية، إنما ذهب إلى بعد آخر وهو إنقسام في نفس المعسكر اليميني يأخذ شكلين: الأول: الإنقسام العلماني-الديني، علماني يتزعمه إيفغدور ليبرمان زعيم إسرائيل بيتنا ويائير لبيد زعيم هناك مستقبل أحد مركبات أزرق أبيض مقابل يمين متدين تمثله شاس للمتدينين الشرقيين ويهدوت هتوراة للمتدينين الغربيين، ويتمحور حول قضايا تجنيد طلاب المدارس الدينية في الجيش، وتقليص ميزانية هذه المدارس وإخضاع برامج التعليم الخاصة بها لوزارة التعليم وإلغاء بعض القوانين التي تقيد الحريات العامة أيام السبت.فيما يدور الشكل الثاني من الصراع بين أزرق أبيض والليكود بزعامة نتنياهو حول هوية الدولة وإعادة الإعتبار للسلطة القضائية، ووقف الهرولة المتسارعة لإسرائيل تجاه الدكتاتورية السياسية المتمثلة في أسلوب ونهج نتنياهو في الحكم،حيث باتت عملية إزاحته عملية في غاية الصعوبة بعد أن أطبق على مقاليد الليكود ومفاتيح الحياة السياسية في إسرائيل.
إن الهدف الرئيس من تجمع رئيسي أركان سابقين ووزير دفاع في حزب واحد هو إسقاط نتنياهو فقط ولا شيء غير ذلك، لذا رأينا أن جوهر الحملة الإنتخابية لأزرق أبيض يتمحور حول شخص وأهلية نتنياهو للإستمرار في قيادة الدولة. وقد أتت هذه الحملة أوكلها حيث حقق أزرق أبيض الفوز بفارق مقعدين ومنع بشكل كبير نتنياهو من إقامة تحالف يميني تقليدي مع الأحزاب الدينية والبيت اليهودي (اليمين إلى الأمام).

لقد أبان المشهد الساسي الحزبي في إسرائيل عشية الإنتخابات إلى أي مدى وصل إنجراف الأحزاب الصهيونية نحو العنصرية والتطرف لدرجة أصبح يقاس فيها معيار الوطنية واليهودية بما تعرضه هذه الأحزاب من مواقف متطرفة تجاه الفلسطينيين وعنصرية تجاه العرب في إسرائيل، حيث سجل في هذه الانتخابات ارتفاع مستوى التطرف السياسي لدى الأحزاب الصهيونية كافة، وغياب خطاب السلام مع الفلسطينيين وحل الدولتين من برنامج هذه الأحزاب.
وقد جاءت نتائج الإنتخابات الأخيرة لتوضح إستمرار حالة الإنقسام داخل معسكر اليمين الإسرائيلي بشكل يحول دون تشكيل حكومة إئتلافية ويدفع الأمور إلى خيارين لا ثالث لهما:
- إما حكومة وحدة وطنية تضم الحزبين الكبيرين الليكود وأزرق أبيض، وإما الذهاب إلى جولة ثالثة من الإنتخابات لفك حالة التعادل التي باتت تسيطر على الحياة السياسية في إسرائيل وأصابتها بالشلل التام.