أخر الأخبار
هل تشكّل الانتخابات حلاً أم تزيد الانقسام تعقيداً ؟
هل تشكّل الانتخابات حلاً أم تزيد الانقسام تعقيداً ؟

لا شك أن ما تضمنه خطاب الرئيس أبو مازن أمام الجمعية العامة قبل أيام وحديثه عن الدعوة لانتخابات عامة في المناطق الفلسطينية كافة يشكل تطوراً على درجة كبيرة من الأهمية، ويمكنه أن يخلق جدلاً واسعاً في الساحة الفلسطينية. فمن ناحية هذا استحقاق مهم وضروري خصوصاً بعد حل المجلس التشريعي ونشوء فراغ قانوني وسياسي كبير في الساحة الفلسطينية، ومن ناحية أخرى، غير واضح إن كان الحديث يدور فقط عن انتخابات تشريعية كما يبدو للوهلة الأولى أم انتخابات تشريعية ورئاسية كما تطالب بذلك الفصائل المختلفة. فإذا كان القرار الرئاسي ينص على انتخابات تشريعية فقط حتى لو كانت هناك رئاسية بعد فترة محددة أو غير محددة فعلى الأغلب سترفض «حماس» إجراءها وستمنع حدوثها في قطاع غزة. وهذا على الأغلب سيكون موقف فصائل أخرى كالجبهتين الشعبية والديمقراطية.
المبادرة التي طرحتها الفصائل الثمانية في غزة مؤخراً تتحدث عن تشكيل حكومة وحدة وطنية وانتخابات تشريعية ورئاسية وانتخابات كذلك للمجلس الوطني. وهي تتناقض مع موقف حركة فتح والرئيس أبو مازن الذي يصر على استئناف تطبيق اتفاق 2017 من حيث توقف، بينما مبادرة الفصائل تتجاهل هذه النقطة وإن كانت تشير له في إطار المرجعيات للاتفاق. ولهذا من الصعب رؤية حلول واقعية لهذه المعضلة. وعملياً هناك فروق في الرؤى المتعلقة بكيفية تحقيق المصالحة التي ربما تكون الانتخابات العامة إحدى آلياتها.
في الواقع، هناك جهات متنفذة عديدة لا تريد مصالحة حقيقية في هذه المرحلة، فبعض قيادات «حماس» لا تريد التخلي عن الحكم في غزة وستسعى بكل ما تملك من أجل إجهاض الجهود للمصالحة، وهذا ما حصل في عملية التفجير التي استهدفت موكب رئيس الحكومة رامي الحمد الله ورئيس جهاز المخابرات اللواء ماجد فرج، في وقت كانت تبدو فيه المصالحة تسير بصورة جيدة. ومن يقف خلف التفجير ويدعم هذا التوجه بالتأكيد سيبذل كل جهده من أجل إفشال أي اتفاق يفضي إلى الوحدة وتسليم «حماس» السلطة في غزة للحكومة. وفي نفس الوقت، هناك جهات في رام الله كذلك ليست معنية بالوحدة ومستفيدة من واقع الانقسام وتبحث عن فرصة لتعطيل الجهود باتجاه إنهائه.
الآن، مع الإعلان المرتقب لموعد إجراء الانتخابات التشريعية سندخل في وضع ربما يكون أكثر تعقيداً. من يؤيد الانتخابات يري في ذلك استحقاقاً قانونياً وسياسياً لا غنى عنه خصوصاً بعد أن أضحى الفراغ الدستوري يثقل كاهل السلطة على المستوى الدولي، حيث الملاحظات الدولية بضرورة تجديد الشرعيات وحل مشكلة الديمقراطية والقضايا الداخلية على الساحة الفلسطينية. خصوصاً وأنه لا يمكن الدفاع عن أداء جيد للسلطة دون رقابة من المجلس التشريعي. وعملياً منذ العام 2006 لا توجد رقابة فعلية على أداء السلطة التنفيذية وهذا يخلق أزمة ثقة في السلطة عموماً. وهذا شكل إحراجاً كبيراً للسلطة حيث كان قرار حل التشريعي مرتبطا بتنظيم انتخابات تشريعية سريعة، وهذا لم يحصل.
في المقابل، هناك وجهة نظر «حماس» التي تريد انتخابات بشروط الشمولية وحكومة وحدة وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير وغير ذلك، وهذه الشروط لا يقبلها الرئيس الذي يشعر أن «حماس» طعنته وتخلت عن الاتفاقات جميعها وآخرها اتفاق العام 2017، والفصائل الأخرى إما تتبع موقف الرئيس أو موقف «حماس» ولم تستطع أن تقدم مبادرة تكون مقبولة على الطرفين.
من المرجح أن يفضي المرسوم الرئاسي بتنظيم الانتخابات إلى إجراء الانتخابات فعلاً حتى لو رفضت «حماس» ومنعت إجراءها في غزة، ولكن هذا مرتبط بالاتفاق حول الانتخابات في القدس الشرقية. وعلى الأغلب هذا لن يتم في عهد حكومة نتنياهو وربما يتم بعد تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة. وفي حال إجرائها في الضفة والقدس فقط من المؤكد أنها ستجري على قاعدة التمثيل النسبي وستكون حصة غزة في القوائم حتى دون أن يجري التصويت في غزة.
بين الحاجة لتجديد الشرعيات وسد الفراغ الدستوري، وبين شروط مختلف عليها لإجراء الانتخابات ستدخل الساحة الفلسطينية في تعقيدات إضافية وقد تقود الانتخابات القادمة إذا ما حصلت حسب التخطيط. ويمكن أن تؤدي إلى قيام «حماس» بإجراءات انفرادية، وهي مستعدة لذلك ويمكن أن تجد غطاءً من فصائل أخرى، خصوصاً وأن «حماس» أحيت من جديد اللجنة الإدارية التي تشرف على وزارات غزة، في خطوة تمهيدية لتكريس سلطتها في غزة.
ومع كل ما يمكن أن يحدث على الجبهة الداخلية وفيما يتعلق بالوضع في غزة لا بد من أخذ العامل الإسرائيلي بنظر الاعتبار كونه ربما الأهم في تقرير مصير غزة في ظل عدم الاتفاق. وإذا تشكلت حكومة برئاسة بيني غانتس سيكون موضوع غزة على أولويات الحكومة الإسرائيلية وخاصة باتجاه التراجع عن التفاهمات مع حكومة نتنياهو ووقف إدخال الأموال واحتمال كبير أن توجه إسرائيل ضربة قوية إلى «حماس» قد تصل إلى مستوى حرب، ستعكس نتائجها على مجمل الأوضاع الفلسطينية.