في الزمن العربي الراهن.. لم يعد شيء مستبعداً، حيث يجري تخوين الوطنيين والتشكيك في عروبتهم، فيما المارقون والقتلة والعملاء والمنافقون، يتصدرون الصفوف يُفتون ويُصدرون الاحكام ويخلعون الالقاب، والصفات الحميدة على اصحاب الضمائر الخربة والنيات السيئة، يقتلون ويبقرون بطون الحوامل ويذبحون ويعدمون ويفرضون قوانينهم المتخلفة، يدمرون الاوطان ويشتتون العباد، لا يتوقفون عن ازدراء أي عمل مقاوم او رافض للاحتلال والهيمنة والاستكبار ويرون اننا نعيش العصر الاميركي الاسرائيلي ولا بد من الخضوع والتسليم بالاقدار الصهيواميركية.
يقف هؤلاء بقامات منحنية ورؤوس فارغة، يحسبونها منتصبة وحكيمة، يُنظّرون ويُروّجون، لا فرق عندهم بين الكذب واختلاق الحقائق، يعيشون في الاوهام وشرانق الخزعبلات، يصدقون ان الخواجا والافندي يمكن ان يوفرا لهم حماية او منصباً او «كرسياً» في القصر الرئاسي، ظناً منهم انهم قد سددوا «كل» الفواتير، وبالتالي فعلى السيد ان يفي بتعهداته وأن ينفذ الوعود التي بذلها.
من هؤلاء، بل على رأسهم مجرم الحرب والقاتل الذي لم تزل يداه ملطختان بالدماء، زعيم ميليشيا او الجناح العسكري لحزب الكتائب الفاشي في لبنان المسماة «القوات اللبنانية» سمير جعجع، الذي «نجح» في اختطاف القوات بعد مصرع بشير الجميّل القاتل الاول على الهوية، فوجد الطريق مفتوحة بعد ايلول العام 1982، لتصفية خصومه من اللبنانيين وخصوصاً في الفريق المسيحي وعلى رأسهم الزعامات المارونية (طوني فرنجية النجل الاكبر لرئيس الجمهورية في مذبحة إهدن) ثم ابرز الافرقاء المسلمين (رشيد كرامي) ودائماً الاعداء «الفلسطينيين» ليس في فصائل المقاومة، بل كل فلسطيني وفلسطينية، ولا يهم ان استعان بجيش الاحتلال الاسرائيلي، فهو الحليف، في السر وفي العلن، ما بالك وقد غدا «ضيفاً» على آل الجميّل وزائراً لقصر بعبدا، وحاضناً لمجرمي الكتائب كي يُجْهِزوا على مخيمي صبرا وشاتيلا..
سمير جعجع الذي خرج من سجنه المؤبد في صفقة مشبوهة تحت عنوان المصالحة (اضف الكاذبة) بقي على الهامش منبوذاً ومعزولاً الى ان حانت اللحظة المناسبة عندما «اصطاد» اعداء المقاومة والعروبة رفيق الحريري، في 14 شباط 2005، كي يكتبوا جدول أعمال المرحلة الجديدة التي بدأت فصولاً بعد احداث الحادي عشر من ايلول 2001 واعلان الحرب على الارهاب ثم غزو العراق، وتدشين المحافظين الجدد لمشروعهم نشر الديمقراطية وبناء الدول، وكان لا بد من البدء من بارومتر المنطقة (لبنان) حيث كنست المقاومة الاحتلال الاسرائيلي والحقت بمشروعه هزيمة موصوفة، عندما اجبرته على الفرار وسحب قواته بدون توقيع اتفاقية «سلام» او منطقة عازلة او هدنة طويلة او تنصيب رئيس دمية على النحو الذي كان عليه امين الجميّل في اتفاق 17 ايار 1983.
لا بد من شطب المقاومة او إقلاقها وايجاد المبررات والاسباب الطائفية والمذهبية والفاشية، لتجفيف بيئتها الحاضنة والمطالبة بتلسيم سلاحها باعتباره «غير شرعي» وادخاله تحت كنف الدولة التي يعترف اركانها انها يمكن ان توصف بأي شيء ما عدا انها دولة حيث المناصب تخضع للمحاصصة وحيث تغيب المحاسبة والمساءلة فقط لأن هذا الجهاز او تلك المؤسسة او ذلك الفرع او الشعبة يخضع او يتبع لقيادة طائفية او مذهبية معينة.
هل قلنا رئاسة الجمهورية؟
نعم، فالمنصب يوشك على الشغور في 25 ايار القريب، واحتمالات التمديد لرئيس الجمهورية الحالي العماد ميشال سليمان، الذي جاء الى قصر بعبدا من قيادة الجيش في اليرزة مباشرة، بعد اتفاق الدوحة (2008) تبدو «صفرية»، بعد ان حرق الجنرال اوراقه مع فريق 8 اذار، وانضم بغير تحفظ لذلك الفريق الذي يرتكز في «رطانته» على العداء للمقاومة ثقافة وفكرة وممارسة، ظناً منه (رئيس الجمهورية) انه «يضمن» مستقبله السياسي، او يجد فريقاً يناصره، لكنه واهم حيث المنافسون «كثر»، وحيث الرجل بلا حزب او تاريخ سياسي، او حتى نفوذ داخل البرلمان او في الشارع..
ما علينا..
سمير جعجع تداعبه احلام اليقظة، منذ ان «فرغ» المسرح الماروني من المنافسين الجدييّن على مقعد الرئاسة، وبخاصة بعد ان تماهى فريق 14 آذار مع المشروع الاميركي الاوروبي بتحالفاته العربية المعروفة، الرامي الى ابقاء لبنان في دائرة التبعية والهيمنة ومنصة للانقضاض على سوريا وشيطنة المقاومة واعتبار المعادلة الثلاثية التي كانت توصف بالذهبية (وهي كذلك) الثلاثية المشؤومة، ما يعني التسليم بالاقدار الصهيواميركية، واعادة استنساخ المقولة المتهافتة التي ارتكز – وما يزال – عليها الفريق الانعزالي وهي قوة لبنان في ضعفه، والتي ترجمت لاحقاً بشعار اكثر تهافتاً «النأي بالنفس».. ما بالك ان حلفاء هذا الفريق في سوريا قد انهاروا وهم على وشك اعلان هزيمتهم وافلاس مشروعهم «الديمقراطي»؟
لن يصل سمير جعجع الى قصر بعبدا، مهما امعن في عدائه للعروبة وللمقاومة وعليه كما على حلفائه في فريق 14 آذار، ان يستخلصوا دروس التاريخ وعبره..