تصريحٌ غير مبرر ذلك الذي خرج به علينا وكيل وزارة الخارجية في غزة غازي حمد، حينما اعتبر أن تجاوز القاهرة لحركة حماس في تثبيت التهدئة بالقطاع مؤخرًا، «غير مبرر».
وإذا أردنا أن نقرأ هذا التصريح من موقع صاحبه أو الصفة التي يشغلها .. نطرح تساؤلًا هامًا أتمنى على السيد حمد أن يجيبني عليه: هل هذا الموقف يمثل الحكومة التي تعمل فيها كموظف رفيع؟، أم أنه يمثل حركة حماس، التي تشغل فيها موقعًا قياديًا؟، مهم هنا أن نفهم التوصيف، حتى نبني الآراء استنادًا عليها.
إذا سلّمنا جدلًا أنك صرحت بصفتك مسؤولًا في الحكومة، فهذا مؤشر خطير، كونه يجعل المقاومة أداةً في خدمة السياسة، وهذا الأمر الذي لطالما تم التحذير منه، على اعتبار أن السلطة تتحول بموجبه إلى كيانٍ له شرعية أعلى من شرعية المقاومة .. وهذا يغفل عن حقيقة هامة، وهي أننا في مرحلة تحرر وطني، السياسةُ فيها أداة في خدمة المقاومة، وليس العكس.
امتعاض السيد حمد من طريقة تعامل القاهرة مع حركة حماس، واتصالها مباشرةً بقيادة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين لتثبيت التهدئة، لا يعدو كونه ردة فعل غاضبة، وهي طريقة غير موفقة للتعبير عن موقف رسمي ومسؤول؛ كونها تفتقر لأدنى مقومات العمل السياسي.
من بديهيات ممارسة العمل السياسي الرشيد ألا يقوم على الانفعالات والعواطف وردود الأفعال والتشنج والشخصنة والفئوية، ويخطئ من يظن أن هذا المعترك يقوم على إصدار بيانات الاستنكار والشجب ضد جهة معينة أو إثر حادث محدد فقط، دون قراءة أبعاده ودلالاته وتداعياته.
للسياسة تجلياتها وأهدافها التي تتخطى حدود الاختلافات في ثقافة وفكر الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الدكتور رمضان عبد الله شلَّح، الذي أعلن لقناة الميادين مؤخرًا، بأن الاتصالات مع قيادة حركة حماس لم تنقطع، وشرح كيف يتم تدارس الموقف بين الطرفين، والآلية المناسبة لإدارة المعركة مع الاحتلال بما يتناسب مع مصلحة شعبنا.
وذات السياسة التي تتبناها الحركة، تتجلى في تصريحات القيادي بالجهاد الشيخ خالد البطش لقناة CBC مؤخرًا، والتي كشف فيها عن مطالبته الجانب المصري بالاتصال بحركة حماس، كونها من تتولى زمام الأمور في غزة.
وكأي قارئ للمشهد السياسي، لا استغرب تجاوز القاهرة لحماس في الاتصالات الأخيرة لتثبيت التهدئة، لعدة اعتبارات وأسباب منها: المواقف والتصريحات التي أعقبت قرار محكمة الأمور المستعجلة المصرية بحظر الحركة، كما أن حجم وشكل التصعيد الذي حدث في غزة - من حيث الأداء والمبادرة – أوجب مخاطبة الجهة المسؤولة في الميدان سريعًا لتدارك الأوضاع.
وهنا يجول في بالي تساؤلان أوجههما للسيد غازي حمد: هل المطلوب أن يستمر العدوان على غزة لأن القاهرة لم تتصل بحركة حماس؟! .. وهل الاتصال بالجهاد - الذي تمخض عنه تثبيت التهدئة وفقًا لتفاهمات القاهرة عام 2012 لتجنيب شعبنا مرارة وويلات العدوان - يثير استياءك لدرجة تصنيفك له ضمنًا أنه «البوابة الخطأ»؟!.
أخيرًا .. أطمئنك يا سيد غازي: حركة الجهاد الإسلامي لا تريد أن تحل مكان حركة حماس، «التي تدير الحدود والأمن في غزة» .. لا تقلق التنسيق سيظل في عهدتك على اعتبار أنك «البوابة الصحيحة حفاظاً على وحدة الصف، وأن تكون كلمتنا ورسالتنا واحدة»، كما صرَّحت.