أخر الأخبار
هل يعود الحراك كثيفاً ؟
هل يعود الحراك كثيفاً ؟

لا تخرج المظاهرات إلى الشارع الأردني مدفوعة بترف سياسي، بل هي احياناً تخرج لمطالب مختلفة عديدة، منها عمالية وأخرى مناطقية وهذه عادة ما تكون غاضبة،  وبعضها يشكو التهميش وآخر يشكو الفساد، وبعضها الآخر يريد الإشارة إلى قضية محددة، أو تكون الوقفات تضامنية مع قضايا عربية او مع متعقلي الرأي، ولكن بعض الخارجين في الآونة الأخيرة خرجوا بسقوف خارجة عن مألوف الحراك الشعبي الذي بدأ في الاردن قبيل الربيع العربي، مع مربي المواشي وقضايا الأعلاف في زمن حكومة نادر الذهبي، ولاحقا حكومة سمير الرفاعي ثم تطور إلى ما كان عليه بعد العام 2010.
لم يكن في الأردن اقصاء سياسي، بل  ظلّ البلد مفتوحاً وجانب حرائق الإقليم، وحدثت استجابات ملكية وحكومية لمطالب الناس، لكن الكثير من المطالب ما زال يحتاج إلى فاعلية أكبر، لكي يتحقق وعلى رأس ذلك محاربة الفساد، فطالما تحدث جلالة الملك مطولاً ووجه الحكومات لذلك.
الفساد كان وقود الاحتجاجات الشبابية في الدول العربية، وهو عنوانها الأبرز، وطالما كان مؤدى الشباب الأردني في خروجهم المنظم التعبير عن قضايا سياسية وسيادية مثل طرد السفير الإسرائيلي وملف الباقورة ووقف اتفاقية الغاز، ومحاربة الفساد والغاء المؤسسات المستقلة وتقليص النفقات العامة وتحسين وضع الموظفين العامين وغيرها.
لم يحدث تغيير في كثير من الملفات، لكن بعض المطالب للمناطق وبخاصة في قطاع الخدمات الصحة من حيث بناء مستشفيات والرعاية الاجتماعية للفقراء تحقق منها الكثير، لكن للأسف لا يوجد مؤشر إخراج لما قُدّم للناس، كما أنه لا يوجد تقييم أداء وقياس لنوعية الخدمات المقدمة، وبخاصة في قطاعات الصحة والتعليم والنقل.
لا تزال كفاءة إدارة الدولة للمؤسسات بحاجة لتطوير، ومثال ذلك، ليس المهم أن توسع أو تبني مستشفى جديداً في المفرق أو الكرك دون أن تضمن وجود أطباء اختصاص، وليس المهم أن تخصص الكهرباء ويبقى المواطن الذي هو بحاجة لتركيب عداد كهرباء يطارد موظفي الشركة التي خصصت لتحسين خدماتها مدة شهر، والأمثلة كثيرة في المؤسسات.
نعم ينتشر فساد إداري، وهناك رشوة، وثمة مدراء ضعفهم مخيف، وهناك حاجة للضبط أكثر، وثمة تراجع في دور القادة الميداني وضعف في الاتصال العريض مع المؤسسات في الأطراف. وتجاهل لمطالب الناس من قبل كثير من المعنيين مما يؤجج الغضب ويزيده.
لكن، كلّ ذلك لا يبنغي له أن يدفع إلى عودة صاخبة للحراك وللشعار المرفوع، ومن غير المعقول ان تخرج هتافات خارقة في بلد جميعنا يعرف ظروفه، والمشكلة ليست فقط بالحكومات بل المواطن مسؤول؛ لأنه اختار طبقة سياسية ممثلة له في البرلمان يلهث بعضها وراء مصالحهم، مع وجود نفر طيب وطني وصادق يحاول تطوير الأداء النيابي والمحاسبة.
الناس في الأردن تدبروا محيطهم، لكن ذلك لا يكفي لاقناعهم بالصمت، ثمة حاجة ماسة لمقاربة واقعية لما يجب ان نفعله لكي نتجاوز التحديات التي تزداد كل يوم قسوة، ولدينا دوما فرصة مواتية للخروج بشكل افضل من الإعصار، هذه الفرصة جزء كبير منها يتمثل بإصرار جلالة الملك على أن ما يحدث للمواطن والوطن من انجازات ليس هو الأفضل. 
والمطلوب جذب حقيقي للاستثمار وتشغيل، وفرص عمل منتجة للشباب في المحافظات ومحاربة أكثر سرعة لحسم ملفات الفساد ووقف الانهيار في الإدارة العامة ومواجهة القيادات الضعيفة بالتقاعد السريع. وإن حدث ذلك سيكون الحراك مطالباً بالخروج لدعم مسار الصمود الوطني لأجل وطن أفضل واكثر قوة.