أخر الأخبار
لبنان والعراق على براميل من البارود
لبنان والعراق على براميل من البارود

في البحث عن بعض الدوافع والعوامل المهمة، التي تقف وراء الحراك الشعبي السلمي في لبنان، لا يمكن تجاهل التزامن بين ما يجري هناك وما يجري في العراق. ثمة تشابه كبير في ظروف البلدين، فكلاهما محكوم بنظام طائفي يقوم على المحاصصة، وضمان أولوية الوظائف إلى المنتسبين للكتل الطائفية، وكلاهما يعيش ديمقراطية عجيبة غريبة، ضامنة لكل أشكال وأنواع الفساد الفاضح. وبسبب طبيعة الأنظمة، ومدى عمق الفساد في كلا البلدين، يجري توسيع دائرة البطالة، والفقر والتهميش مع إهمال شديد وملحوظ من قبل الدولة إزاء الخدمات الأساسية للمواطن.
غير ان ثمة ظرفا آخر مهما، وهو بالنسبة لكثير من الأطراف المتصارعة في المنطقة وعليها، وهو أن إيران هي صاحبة الخطوة والنفوذ الأساسي في البلدين.
ولأن الفارق بين البلدين يكمن في ضعف موارد لبنان، ووفرة الإمكانيات في العراق، كبلد نفطي مهم، فإن الحراك في العراق سبق مثيله في لبنان، وبعد هدوء نسبي عاد للثوران من جديد، من بين شعارات سياسية كثيرة، تتصل بأهداف الحراك في لبنان وتتصل بضرورة تغيير الحكومة، لصالح حكومة كفاءات مصغرة تقوم بعملية الإصلاح، يلفت النظر احد الشعارات المرفوعة والتي تشير الى التواصل بين ثورتي لبنان والعراق. الشعار يقول، "ثورة ثورة لا تموت من لبنان الى العراق"، الأمر الذي يشير الى أبعاد خارجية متصلة تماماً بالأبعاد والدوافع الداخلية.
الأمر اكثر وضوحا في العراق. حيث يستهدف الحراك مقرات الأحزاب وجمعيات محسوبة على إيران، وفي مناطق يطغى عليها البعد الشيعي سواء في الجنوب او كربلاء والنجف حيث الأغلبية للشيعة. في كربلاء المكان المقدس للشيعة، ترفع شعارات ضد المرشد الأعلى للثورة الإيرانية خامينئي، وقاسم سليماني، وفي المقابل تقوم الحكومة بإغلاق قناتي العربية والعربية الحدث من بين عشرات القنوات الفضائية.
غير ان ذلك لا يعني بالضرورة، ان تكون الدول المناوئة لإيران ونفوذها المتنامي في المنطقة هي من تقف مباشرة وراء الحراك، فالعوامل الداخلية هناك هي الأساس.
والدوافع الداخلية في لبنان هي الأساس أيضاً الذي يقف وراء الحراك الشعبي، لكن العوامل الخارجية سرعان ما ان تظهر بطرق مباشرة او غير مباشرة بما يعكس تضارب المصالح والاستراتيجيات الإقليمية والدولية في المنطقة.
القوى السياسية الطائفية في لبنان، بدأت تطل برأسها في محاولة لاستغلال الحراك الشعبي، وان بطريقة غير مباشرة، فمن يدعون مناصرتهم للحراك، يستهدفون من يدعون انهم أصحاب القرار والأغلبية والسيادة في الحكومة اللبنانية. والعكس من ذلك صحيح، وهو ما يفسر رفض ومقاومة "حزب الله" و"أمل" وتيار الرئيس عون للحراك، ومحاولاتهم التصدي له. من أول تداعيات الحراك الشعبي في لبنان، هو بداية تفكك تيار الرئيس ميشيل عون حيث اعلن بعض وزرائه ونوابه، عن رفضهم للخطة الإصلاحية، في هذه الأثناء ظهرت مؤشرات، نحو إمكانية تفعيل بعض العناصر، لجهة إدخال عامل السلاح، في محاولة لحرف الحراك عن مساره، فيما تستمر المناوشات والاشتباكات المحدودة، بين حشود تدعم الحراك الشعبي وأخرى مناوئة له.
وحتى الآن لم يظهر دور للعوامل الخارجية في الوضع اللبناني لكن عديد القوى صاحبة المصلحة، تنتظر الفرصة المناسبة لإذكاء الفتنة وتحويل الحراك السلمي الى حالة صراع، قد يكون دموياً.
معروف ان الحراك الشعبي في لبنان رغم انه يخترق الطائفية والطوائف إلا ان شعاراته المرفوعة، تظل في إطار إصلاحي، بمعنى ان الأزمة لا يمكن ان تنتهي ما لم تتم الإطاحة بكل النظام الطائفي ونظام المحاصصة. وحتى لو جرى الاستجابة لطلب الجمهور فيما يتعلق باستقالة الحكومة وتشكيل أخرى مصغرة، فإن هذه ستكون مرة أخرى محكومة لموازين القوى الطائفية، التي ستعود لتفرض حساباتها على المشهد السياسي والاجتماعي في لبنان.
في العراق، الأمر مختلف، حيث يمكن للحراك الشعبي في حال استمراره ان يهدد التركيبة الطائفية غير الراسخة وبالتالي إسقاط النظام وهو المطلب الأساسي الذي يرفعه الحراك.
في العراق، ثمة قوى تملك إمكانيات كبيرة وتحظى بجماهيرية واسعة تقف الى جانب الحراك الشعبي لعل أهمها التيار الصدري الذي اعلن نوابه الاعتصام في البرلمان والانضمام الى المعارضة. بعد كل دعوات التعقل، وتشكيل لجان التحقيق، وتدخل المرجعية الدينية متمثلة في السيستاني، يقف النظام عاجزاً عن احتواء الحراك، وتقدم رؤى إصلاحية ومعالجات حقيقية مقنعة للجمهور ومن شأنها ان تؤدي الى تهدئة التوتر، بعد كل ذلك يعود النظام ليكشر عن أنيابه.
رئيس الحكومة يعطي أوامره لقوات مكافحة الشغب، لفض الاعتصامات بالقوة، الأمر الذي يؤدي إلى نزيف الدم، بين قتلى وجرحى، ما سيوفر الدافعية والوصفة الأكيدة، لتصاعد العنف بين الطرفين الحكومة التي تبادر لاستخدام العنف، والحراك الشعبي الغاضب الذي تتسع دائرة استهدافاته لتشمل مقرات وممتلكات حكومية. في كلا البلدين، يقف الناس على براميل من البارود، قابلة للانفجار في أي لحظة، ان لم يكن بعوامل داخلية، فسيكون بفعل قوى خارجية، تتحفز كل الوقت من أجل إغراق البلدين بالدم.