نشرت وسائل الإعلام المحلية، خلال الأيام القليلة الماضية خبرين يثلجان الصدر،أما
الأول فهو مشاركة جلالة الملكة رانيا العبدالله لطالبات إحدى المدارس الأساسية في
ورشة عمل تهدف إلى تطوير مهارة الإستماع وتقوية اللغة العربية لدى الطالبات. وهو
خبر قد يبدو عادياً عند بعض الذين لا يقدرون دور اللغة الأم في نهضة أي شعب، وتقدمه
العلمي والحضاري؛ وعند بعض الذين لا يقدرون حجم الهجمة على اللغة العربية، أو ما
تتعرض له هذه اللغة من تهميش في حياتنا اليومية، وفي مناهجنا المدرسية على وجه
الخصوص، بكل ما تعنيه اللغة لثقافة الأمة أي أمة وفكرها وحضارتها، بل ووجودها..
فعلماء الإجتماع السياسي لا يتوقفون عند القول بأن «مكانة الأمة بين الأمم تقاس
بمكانة لغتها». بل يذهبون إلى ما هو أبعد عندما يقررون «أن الأمة لا تزول إلا بزوال
لغتها». إذن فاللغة قضية وجود، والتعامل معها أحد مقاييس التحضر والتقدم.
من هنا تأتي أهمية إلتفاتة جلالة الملكة رانيا إلى هذه
القضية الحضارية بالغة الأهمية والأولوية. ذلك أنه اهتمام جلالتها باللغة العربية
وتعليمها، بكل ما تمثله جلالتها من المكانة الرسمية والاجتماعية والعملية، ودرجة
الرقي والتمدن التي وصلت إليها، يشكل رداً حاسماً على الذين يتهمون اللغة العربية
بالتخلف، وأولئك الذين يعتبرون التحدث بغيرها تمدناً ورقياً.
فإنحياز جلالتها إلى اللغة العربية يعني في دلالة من دلالاته انحياز
جلالتها إلى وجود أمتها وثقافتها وحضارتها. وهو إنحياز لا يحول دون الإنفتاح على
الآخر، والإطلاع على ما في لغته من علوم ومعارف، دون أن تكون السيادة في بلادنا
للغة الآخر. كما أن انحياز جلالتها إلى لغتها يؤكد رقي هذه اللغة ومدنيتها
وحداثتها، فالحداثة لا تعني «الرطانة» بترقيع الألسن بمفردات أعجمية بغير ضرورة كما
يفعل بعض مدعي الحداثة والرقي، فكل من يتابع نشاطات جلالتها، يلاحظ حرصها على
التحدث باللغة العربية رغم إتقان جلالتها لغيرها من اللغات.
وهذا سلوك ملكي، على الباحثين عن المدنية والرقي الإقتداء به، لأن اللغة
مكون اساسي من مكونات الإعتزاز بالذات والهوية، وهذا الإعتزاز من أهم علامات الرقي
والتمدن.
في تفاصيل الخبر عن مشاركة جلالتها للطالبات
في الورشة، حديث أيضاً عن توفير قصص دراسية مسموعة للأطفال باللغة العربية الفصحى،
وعن إنتاج مواد صوتية قصصية، لزيادة قدرة الطفل العربي على التخيل والتفكير
والإبداع، ومهارات الإستماع والكتابة والالقاء والتمثيل، وهذا محور رئيس من محاور
نشاطاتنا في المشروع الوطني للدفاع عن اللغة العربية، ومن أجل ذلك أعددنا مسابقة
التهجئة التي ينفذها المشروع الوطني للغة العربية، بالتعاون مع وزارة التربية
والتعليم التي تهدف إلى إثراء المخزون اللغوي عند طلابنا حيث سيشارك فيها ما يقارب
الثلاثمائة ألف طالب وطالبة من مختلف مدارس المملكة.
ومثل مسابقة التهجئة، فإن المشروع الوطني للدفاع عن اللغة العربية يسعى
إلى توظيف الدراما لخدمة اللغة العربية.. لذلك تم تشكيل فريق «دراميون في خدمة
اللغة العربية» ومن أجل ذلك أيضاً نتحدث مع المستثمرين لتوجيه جزء من استثماراتهم
إلى مجال اللغة العربية، فهو مجال واسع، سواء على صعيد الإنتاج الدرامي أو
البرامجي، أو في مجال المسرح، بالإضافة إلى الأدوات التعليمية.. كذلك إلى إنتاج
الألعاب التي تحبب الأطفال باللغة العربية، بما في ذلك الملابس، وصولاً إلى إقامة
مراكز ومعاهد لتعلم اللغة العربية للناطقين بها، ولغير الناطقين بها الذين يتحرقون
شوقاً لتعلمها، مما يشكل سوقاً واسعةً ومجالاً خصباً للإستثمار في التعليم.
وعند التعليم نحب أن نتوقف لنستجلي بعض دلالات اهتمام
جلالة الملكة رانيا العبدالله بالتعليم، فهو اهتمام يدل على رؤية حضارية متقدمة لدى
جلالتها، لأن التعليم هو أساس تغير المجتمعات وتطورها، من خلال تطوير مفاهيم
وقناعات أناسها عبر التعليم، لذلك كانت أول مهمات الرسل الذين جاءوا لإصلاح البشرية
هي تعليم الناس، ولذلك علينا التوقف طويلاً عند الحكمة الإلهية البليغة، من إبتداء
نزول الوحي على رسول الله بقولى تعالى « أقرأ « علماً بأن أول سور القرآن نزولاً قد
جمعت بين القراءة « اقرأ « والكتابة « علَّم بالقلم « مما يعني أن تغير المجتمع
يبدأ بتعليمه العلم المفيد، علماً بأن الدراسات العلمية والتربوية دلت على أن تأثير
التعليم يكون أكبر، عندما يتعلم الإنسان بلغته الأم، من هنا أهمية الأهتمام باللغة
العربية كما تفعل جلالتها. وكما نطمح نحن في المشروع الوطني للدفاع عن اللغة
العربية لأن هذا الاهتمام هو في حقيقته اهتمام بالتعليم وبالثقافة وبالفكر.
الخبر الثاني الذي يثلج الصدر، هو اقرار مجلس الوزراء
لمشروع قانون حماية اللغة العربية، وهو قرار يتوج جهودنا في المشروع الوطني للدفاع
عن اللغة العربية في هذا المجال من مجالات خدمة اللغة العربية التي يعمل من خلالها
المشروع الوطني، فقد واكبنا مشروع القانون مع أربع حكومات متتالية، ومع أكثر من
رئيس لديوان الرأي والتشريع، منذ أن قدمنا مسودة المشروع الأولى لدولة السيد عون
خصاونة، ثم ناقشنا تعليقات الوزارات المعنية على مشروع القانون أثناء حكومة الدكتور
فايز الطراونة، لنسلم مشروع القانون بعد ذلك إلى دولة الدكتور عبدالله النسور في
حكومته الأولى، حيث وعد دولته بإقرار مشروع القانون وتحويله إلى مجلس الأمة، وقد
وعد فأوفى، فله الشكر على ذلك. وهو امر يزيدنا في المشروع الوطني للدفاع عن اللغة
العربية إصراراً، على مواصلة العمل لبناء الوعي حول لغتنا العربية كمدخل لبناء
ثقافي، يفضي إلى نهوض حضاري شامل.