وجاء هذا التصعيد الأخير، بعد فترة طويلة نسبياً من هدوء على ساحة الاشتباك الذي ظل في سياق "مسيرات العودة" على الحدود بين قطاع غزة والاحتلال، وهو الأمر الذي بات شكلاً تقليدياً من أشكال الاشتباك الذي تمكنت إسرائيل من الاعتياد عليه واحتوائه، بالتوازي مع نجاحها في إبقائه في إطار سياسة هدوء مقابل هدوء، متجاهلة وعودها السابقة حول جملة من "التسهيلات" وإنهاء حصارها الاقتصادي للقطاع، وربما ذكرتنا الرشقات الصاروخية ورد الفعل الإسرائيلي بأن دولة الاحتلال بذريعة الأوضاع المتعلقة بتداعيات الانتخابات البرلمانية ومشكلات التشكيل الحكومي، تتخلى عملياً عن جملة هذه الوعود بالتسهيلات التي تقدمنا بها إلى الجانب الأمني المصري أكثر من مرة، مستغلة ذلك في الإبقاء على سياسة "هدوء مقابل هدوء"، لتصبح سياسة يتخذ منها الاحتلال عبوراً إلى هدنة غير رسمية، لكنها تشكل أساس علاقة الاحتلال مع القطاع.
وإذ تتهم دولة الاحتلال الإسرائيلي، حركة الجهاد بأنها وراء هذه الرشقات التي أدت إلى التصعيد الأخير محمّلة حركة حماس المسؤولية عن ذلك، فإن القيادة الإسرائيلية تجد نفسها في مأزق حقيقي، ذلك أنها معنية باستمرار حالة هدوء مقابل هدوء، لذلك فإنها تعتمد سياسة أمنية، ترد من خلالها على هذه الرشقات، بضربات مدروسة، كي لا يتحول التصعيد إلى حرب في الجنوب، بينما تخشى تهديدات من الشمال، لبنان وإيران، حسب مزاعم رئيس الأركان الإسرائيلي كوخافي، خاصة أن بعض المحلّلين الإسرائيليين، أعادوا اتهام حركة الجهاد بهذا التصعيد، وأن الحركة تؤدي "خدمات" لطهران وتوظف قدراتها الصاروخية المتزايدة، لدعم الموقف الإيراني، وهي تهم ردت عليها حركة الجهاد الإسلامي، بأنها ليست معنية بالتصعيد بقدر ما هي معنية بالرد على الهجمات والاعتداءات الإسرائيلية في سياق الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
وبينما يسعى الاحتلال إلى إدامة سياسة هدوء مقابل هدوء، فإنه يجد نفسه في مأزق، فهو يخشى من تصعيد يؤدي إلى حرب واسعة، في الجنوب كما في الشمال في وقت لن يتمكن من الفوز والانتصار فيها!