من يتابع تاريخ "حماس" سيندهش كثيرا، فالحركة التي قالت عن نفسها في بيانها الأول (15/12/1987م): "لقد جاءت انتفاضة شعبنا المرابط في الأرض المحتلة رفضا لكل الاحتلال وضغوطاته. رفضا لسياسة انتزاع الأراضي وغرس المستوطنات.
رفضا لسياسة القهر من الصهاينة. جاءت لتوقظ ضمائر اللاهثين وراء السلام الهزيل. وراء المؤتمرات الدولية الفارغة.
وراء مصالحات جانبية خانعة على طريقة كامب ديفيد. وأن يتقينوا أن الإسلام هو الحل وهو البديل))، والتي رسخت في ميثاقها (أغسطس 1988م)، أنها فرع من أفرع الاخوان المسلمين والتنظيم الدولي وأنها حركة عالمية وليست فلسطينية فقط(مادة2)، وأن هدفها إقامة دولة إسلامية في العالم (مادة9)، وان فلسطين أرض وقف على المسلمين فقط!(مادة11)، وأنها ترفض فكرة المبادرات والمؤتمرات والمفاوضات والمجتمع الدولي (مادة12). بحيث يمكن اعتبار هذه الأفكار ملخص فكرها وفلسفتها.
لكن المشكلة التي واجهتها في بداياتها انصراف الفلسطينيين عنها، واعتبار حركة (فتح) ممثلة الشعب الفلسطيني، فأعلنت (حماس) رسميا عن جناحها العسكري (كتائب القسام) في (1991)م، وخاضت نزاعا مسلحا مع الصهيونية بدءا من حملات الاعتداء بالسكين انتهاء بالصواريخ، وفي حوار أجري بعد تأسيس الحركة بـ16 سنة مع الشيخ ياسين قال:(حماس لا يمكن الآن تجاهلها لا فلسطينيا ولا عربيا ولا دوليا).
ونحتاج أن نضع ألف خط تحت كلمة (فلسطينيا) هنا، وقد صدرت هذه التصريحات في الوقت الذي كانت تجري فيه مفاوضات جنيف، وبينما كان الجانب (الفتحاوي) على وشك تحقيق مكاسب تمكن فعليا من إقامة دولة فلسطينية، كانت عمليات (حماس) على أرض الواقع ومن مبدأ رفض التفاوض تعوق المكتسبات التي يتم انجازها في التفاوض، مما حال دون أن تكون مساحة الأرض الممنوحة للسلطة الفلسطينية أكبر مما هي عليه الآن.
لكن الطريف أنه رغم قيام (حماس) بكل ما تستطيعه من أجل تعطيل هذه المفاوضات، إلا أنها لم ترفض ما ترتب عليها من نتائج، فثمرة اتفاق ((اوسلو)) بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل وجود سلطة وطنية فلسطينية في إطار وجود دولتين تحتل الدولة الفلسطينية الضفة الغربية وغزة بنسبة 22% من اجمالي مساحة فلسطين التاريخية، إلا أن (حماس) دأبت على معارضة وانتقاد هذه السلطة (الفتحاوية) انتقادا مرا بسبب اجراءات اجهزة الامن الفلسطينية خصوصا تجاه من لا يلتزم بالاتفاقات المبرمة، حتى اجريت انتخابات 2006 والتي وصلت فيها (حماس) إلى السلطة، وتعظم الخلاف الفلسطيني-الفلسطيني.
وصل الأمر إلى حد الاقتتال بين رفقاء الكفاح، وخاضت الفصائل الفلسطينية صراعا داخليا أكثر من مناهضتها الصهيونية، ومع مرور وقت قليل احكمت (حماس) قبضتها على الأجهزة الأمنية الفلسطينية، واصبحت هي المسئولة عن تنفيذ الاتفاقات مع اسرائيل – رغم رفضها لذلك من قبل -، ومنذ هذا التاريخ ظهر مصطلح (الانقسام الفلسطيني)، وهو الانقسام الذي تدخلت فيه القاهرة، ومكة، ودمشق، وغيرها من الدول العربية على أمل انهاء الاقتتال بين ((فتح)) و(حماس)، لكن سرعان ما كانت تنهار أية اتفاقيات يوافق عليها الطرفان معا، فانهارت اتفاقيات: (وثيقة الاسرى) و(مكة)، و(حوار دمشق) و(الورقة المصرية)، وتعطلت المفاوضات مع الجانب الاسرائيلي الذي أصبح يتفاوض على مرتين مرة مع حماس، ومرة مع فتح، إلى أن قام الجانب الاسرائيلي بالتضييق على الجانب الحمساوي في غزة.
رغم أن اتفاقية المعابر (2005م) مع الجانب الاسرائيلي تحدد سبل نفاذ ومرور البضائع والأفراد من وإلى غزة، بل تنص صراحة على حق انشاء ميناء غزة ليكون نافذة على البحر المتوسط، إلا أن النضال الحمساوي سيتغير كثيرا بعد أن تتنازل تماما حماس عن مبادئها وتقبل على يد الرئيس المعزول محمد مرسي بالصلح والهدنة كاملة مع اسرائيل دون قيد أو شرط، وبدلا من أن تناضل حماس ضد التوسع الاستيطاني الصهيوني أو اجتياح بيت المقدس؛ سيتوجه نضالها لأمرين، الأول: الأنفاق غير الشرعية على الحدود المصرية، والتي تمر من خلالها البضائع المهربة،
والآخر: فتح معبر رفح المخصص لمرور الأفراد، ورغم أن هناك معابر أخرى مع الجانب الاسرائيلي أكثر أهمية بالنسبة لغزة من معبر رفح، مثل معبر المنطار (كارلي)، ومعبر الشجاعية (نحال عوز) والأخير مخصص لعبور الوقود وهي المشكلة الجوهرية التي تعاني منها غزة، رغم كل هذا إلا أن حماس ستتناسى وتترك كل حقوقها لدى الجانب الاسرائيلي، ولن تطلب من حلفاء لها مثل قطر أو تركيا رغم نفوذهما الاقتصادي لدى اسرائيل أن يتوسطا في تطبيق الاتفاقيات الموقعة اسرائيل، بدلا من ذلك، تفاجئنا (حماس) الآن أنها تنوي طرح ادارة معبر رفح، وضمنيا الأنفاق غير الشرعية للخصخصة لكي يستفيد منها مستثمرون وشركات خاصة، وتفاجئنا بأنها على أهبة الاستعداد للمواجهة مع مصر إذا ما أصرت على موقفها بإغلاق المعبر وتدمير الأنفاق!