أخر الأخبار
إسرائيل بعد نتنياهو
إسرائيل بعد نتنياهو

يُحدث الجاري في إسرائيل هذه الأيام، بدايةَ حالة من الجدل في أوساط النخبة السياسية الفلسطينية، بشأن مدى تأثير ذلك على مستقبل دولة إسرائيل، من المرجّح أن يؤدي ذلك إلى تنشيط الجدل والنقاش في الدولة العبرية، وقد يكون العنوان المناسب لكل ذلك الجدل، ما إذا كان غياب نتنياهو يشكل بداية مرحلة جديدة، أم انه سيذهب كما الذين سبقوه، بينما تظل إسرائيل، التي تتدهور نحو اليمين المتطرف على حالها، غير أن السؤال الافتراضي لوجود الدولة العبرية، سيبقى هو السؤال الأهم، بعد أن صدر عن نتنياهو تصريح يعكس مخاوفه حول الوجود القومي، والمخاطر التي تتهدد الدولة.
في هذا السياق، وبغض النظر عن الوقت الذي ستستغرقه عملية المحاكمة إلى أن يجد طريقه إلى المكان الذي أودع فيه من قبله موشي قصاب، وايهود اولمرت، وارييه درعي، ووزراء آخرون، فإن النهاية ستكون نهاية مرحلة وبداية أخرى.
نجح نتنياهو في أن يبقى على رأس الحكومة ما يقرب من ثلاث عشرة سنة ونصف السنة، كرس نفسه زعيماً لليكود، ولتكتل اليمين المتطرف، ووسع له مكانة على خارطة العلاقات الدولية، فضلاً عن إنجازاته التي تتصل بتجريف الحقوق الفلسطينية، والتقدم بالمشروع الصهيوني نحو التوسع على المستوى الإقليمي.
حين يتم فحص خارطة السياسة الإسرائيلية، ابتداءً من الليكود، مرورا بكل الاحزاب صغيرها وكبيرها، فإن الساحة تخلو من شخصية لخلافته تتمتع ببعض مواصفاته كزعيم، وضع نفسه على قائمة الزعماء التاريخيين للدولة الصهيونية.
المتنافسون والطامعون في الليكود وخارجه كثر، ولكن ليس من بين كل هؤلاء من يحظى بثقة الأغلبية كما فعل نتنياهو، والأرجح أنه سيكون شاهداً على بداية تفكك حزبه، الذي يعاني من تصدعات قوية هذه الأيام.
نتنياهو نجح في أن يعيد لليكود قوته ودوره المتصدر في الحياة السياسية رغم الانشقاق الكبير الذي وقع في الحزب إبّان شارون وأنتج حزب «كاديما»، الذي تلاشى وجوده مع مرور الوقت. أول من أمس دعا نتنياهو أنصاره إلى الخروج للشارع لإظهار تمسكهم به، غير أن النتيجة جاءت مخيبة للآمال، إذ لم يحضر من قيادات الحزب إلى التظاهرة سوى اثنين، فضلاً عن أن العدد كان متواضعاً. بعض زعماء الحزب، بدؤوا رحلة البحث عن بديل للزعيم الذي يتهمه القضاء بالرشوة وخيانة الأمانة، بعد أن فقدوا الأمل في أن يجد الحزب طريقه، إلى المشاركة في حكومة وحدة وطنية في ظل زعامة نتنياهو، وفي ضوء عدم استعداد الآخرين لبناء شراكة سياسية معه على مستوى الحكم والحكومة.
قد يتحول هذا التناقض داخل الليكود إلى حالة صراع، خاصة وأن نتنياهو لا يزال يقاوم بشدة، ويهاجم زملاءه في قيادة الليكود، الأمر الذي سيسجل بداية انهيار الليكود كحزب مركزي ليلتحق بزميله حزب العمل.
يتفكك الليكود، ويتفكك معه، التكتل اليميني الذي نجح في إنشائه نتنياهو حتى اصبح زعيماً له، فلقد اعلن نفتالي بينيت ان حزبه سيخوض الانتخابات القادمة في حال جرت، على نحو مستقل.
الليكود بعد نتنياهو لا يستطيع أن يحافظ على مكانته ودوره حتى لو بقي موحداً، ان هو استمر في أن يحمل على ظهره الأحزاب «الحريدية»، التي ترفض كل الكتل الأخرى، إقامة أي شراكة سياسية معها باستثناء بعض الجماعات اليمينية الصغيرة.
أما الكتلة الأكبر الجديدة التي يرأسها بيني غانتس، فإنها عبارة عن خليط غير متجانس من الجماعات والأحزاب غير التاريخية التي أكثر ما يجمعها مشاعر الكراهية لنتنياهو والرغبة في الإطاحة به. هذا الخليط، وإن كان من نفس الطينة اليمينية المتطرفة التي ينتمي إليها نتنياهو وفريقه، لن يكون قادراً على المحافظة على وحدته، في ضوء غياب البعد الأيديولوجي، وفي ضوء المنافسة بين قياداته.
هذا يعني ان الساحة السياسة الإسرائيلية بعد نتنياهو، مآلها إلى التفكك بينما سيكون العامل الأمني هو المحرك الأساسي للسياسة الإسرائيلية، الأمر الذي ينطوي على خطورة عالية بالنسبة للإقليم.
نتنياهو يغادر بعد ان ساهم بقوة في تأجيج خطاب الكراهية والسلوكيات الفاشية والعنصرية، ليس فقط ازاء الفلسطينيين وإنما أيضاً بين جماعات «الحريديم» بمعنى مجتمع المتدينين ومجتمع العلمانيين. لقد ثبت بالملموس، حتى خلال وجود نتنياهو ونجاحاته وقدراته الاستثنائية، ان الاحتلال، يتناقض كليا مع الديمقراطية التي تدعيها اسرائيل، وسيشكل استمرار الاحتلال، والعنصرية وقمع الآخر، عاملاً مغذياً لكل أشكال ارهاب الدولة، ونحو تعميق هويتها الفاشية والعنصرية. والآن ماذا يترتب على الفلسطينيين أن يفعلوا إزاء ذلك؟ هل تستمر معادلة الانقسام، ومعها معادلة القصف بالقصف في غزة، والبحث عن السلام مقابل «القصف» الصهيوني للحقوق الفلسطينية في الضفة؟ أعتقد أن على الفلسطينيين أن يتجنبوا إعطاء إسرائيل المبرر للملمة صفوفهم، إذ ينبغي أن يتركوا المجال لتعميق التناقضات وتطويرها إلى حالة صراع داخلي. إلى جانب ذلك من الضروري تعزيز الصمود الفلسطيني، ومواصلة العمل بقوة لفضح الممارسات العنصرية الإسرائيلية، هذا يعني أن معادلة القصف مقابل القصف يجب أن تختفي لفترة على الأقل، والتركيز على كل أشكال النضال الشعبي السلمي والسياسي والدبلوماسي.