«إذا جمعت خمسة ذئاب وخاروف، ثم أخذت رأي الأغلبية، من سيأكلون؟»
لاري فلنت، ناشر وصحفي
دخلت الثورة السورية السنة الرابعة الأسبوع الماضي، البعض حكم بفشل الثورات العربية، ولكن هل من الإنصاف هذا الحكم المبكر؟ صحيح أن نتائج ثوراتنا تبدو وخيمة، وبعضها يتمنى شعبها لو لم تحدث أساسا، باستثناء تونس التي تمهد لغد مشرق. الأمر يحتاج إلى سنوات طويلة بعد الثورات لنصل في النهاية إلى الأنظمة التي تناسبنا، وشواهد التاريخ تؤكد ذلك فعلى مدى عقود راودت دول بين الفشل والنجاح إلى أن وصلت إلى الاستقرار وحققت الديمقراطية.
لغاية الآن معظم دول الثورات تعاني من لعنة أنظمتها القديمة المتمثلة في غياب المؤسسات الراسخة في القطاع العام، لم تستطع الثورات أن تلعب دورا في تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لمواطنيها، كما أدت الخلخلة في إدارة شؤون البلاد إلى هروب رؤوس الأموال والاستثمارات لا سيما الخارجية منها، وبالتالي وصل البعض إلى حالة من السخط على هذه الثورات. وإذا ما استمرت هذه الظروف مع غياب القيادات المركزية، وتأثير الجماهير الجارف، وعنف المليشيات المسلحة، ستؤول هذه الدول إلى الدمار.
كان لا بد من هذه المقدمة، لأتحدث في مشكلة واحدة من مشاكل ما بعد الثورات، وهي أن الأنظمة التي أفرزتها الثورات العربية والجماهير على اختلاف توجهاتها لم تعِ الديمقراطية بمعناها الحقيقي، وهذا أمر ليس بغريب، فبعد سنوات من الحكم الديكتاتوري انتقلنا من ديكتاتورية المؤسسة إلى ديكتاتورية الجماعة أو الأغلبية.
واعتقدت الأنظمة الجديدة وجماهيرها أن شرعية هذه الأنظمة مستمدة من شيء وحيد هو صناديق الاقتراع، ومن كانت له الأغلبية العددية استأثر بالحق في الحكم وإدارة البلاد وسن القوانين، بما يتناسب مع فكره وقيمه.
أما الخاسر وطالما أنه «خسر» فلا يحق له إلا الاعتراض، وأي اعتراض لا ترضى عنه الأغلبية ستقمعه الأجهزة الأمنية التي أصبحت أدوات تحت سيطرة الفئة الحاكمة ولم تعد في خدمة الشعب بكل أطيافه! وليس الغريب أن يصل حزب ذو مرجعية دينية إلى الحكم من خلال الديمقراطية، فدول العالم الراسخة في الديمقراطية تراوح بين اليمين المتطرف واليسار المتطرف. كما أنه من الطبيعي أن يأتي حزب بأجندة تتوافق مع أهداف قاعدته الانتخابية التي تتفق بشكل عام على مبادئ عقائدية، سواء أكانت على سبيل المثال حرمة الزواج المثلي وقدسية روح الجنين، أو كانت منع الحجاب أو السماح بالإجهاض باسم الحرية الشخصية أو العلمانية. فالقاعدة العقائدية أساسا هي التي أوصلت الحزب إلى الحكم.
المشكلة أن هذه الأحزاب التي أوصلتها أيديولوجيتها إلى الحكم تفشل في تقديم برامج سياسية واقتصادية واجتماعية ناجحة، لضعف أو جهل أو لا مبالاة، فتضع كل جهدها لتكريس العصبية والإقصاء معتقدة أن هذا هو ما سيضمن بقاءها. فكونك منتميا إلى طائفة بعينها قد يفسر أن هنالك مفاضلة وصراع مع الطوائف الأخرى، وبدلا من أن تصبح الانتخابات لمصالح الناس تصبح لمصالح طائفة أو جماعة.
في مصر، عندما صوتت الأغلبية لمرشح الإخوان كانت تصوت للإسلام. وخلال أشهر ستة تعلمت الدرس القاسي، أن الحزب السياسي شيء والدين شيء آخر، وأن الخطاب يجب أن يوجه للجميع، لإنسانيتهم ولحبهم الفطري للأخلاق ولحاجاتهم الأساسية المشتركة. وما لبثت الجماهير أن انقسمت بين من أدار ظهره لمن انتخب، وبين من وصل به الأمر لتكفير من ينتقد الحزب، هذا بالطبع إضافة لأسباب أخرى قد لا تقل أهمية.
إذن لا يكفي العلم المسبق بمن سينجح أو يفشل في الانتخابات على أساس الأغلبية ولكن المهم أن نعرف اتجاهات وإرادة الناس المتغيرة.
كل ما سبق يدخل من باب التحليل النظري، وإذا ما طبقنا ذلك على الواقع، انتهى الأمر بليبيا إلى مليشيات مسلحة كل واحدة تعتقد بأن لها الحق في الحكم،والعراق لأن الحكم بيد الشيعة وجد أشقاؤهم السنة أنفسهم على هامش المجتمع، وسوريا حيث الحزب الواحد ينكل بكل معارضيه.
إلا إخوان تونس الذين تعلموا من كبوات الآخرين فعرفوا أن القضايا الشائكة لا تحل إلا بالحوار المستمر والاعتراف بالآخر وتقديم التنازلات.
الإقصاء لا يولد إلا الإقصاء، والإقصاء يبدأ بالكلام وينتهي عادة بالسلاح.