تتزايد في أوساط صنع القرار الفلسطيني والنخبة السياسية، ضبابية الأجواء الداخلية خاصة لدى المتخوفين من أن المفاوضات لن تحقق الحد الأدنى المطلوب فلسطينيا، وأن إسرائيل ومن ورائها الإدارة الأمريكية لن تنجحا في تبديد هذه المخاوف، وستصران فقط على قيام الفلسطينيين بتقديم التنازل تلو الآخر. والسيناريوهات لما بعد الإعلان المتوقع عن فشل المفاوضات كثيرة: «ضغوط داخلية في اتجاه انتفاضة ثالثة» (قد تستهدف ضمن ما تستهدف السلطة الفلسطينية ذاتها)، «عقوبات تفرضها إسرائيل على السلطة الفلسطينية»، «قطع المعونات الغربية عنها»، وأسوأها على الإطلاق «انهيار السلطة الفلسطينية» على نحو سريع وغير مبرمج.
في دراسة أصدرها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، بالتعاون مع «مشروع الشرق الاوسط للولايات المتحدة» و»المركز النرويجي لمصادر بناء السلام» وشارك فيها حوالى 115 خبيرا وسياسيا وأكاديميا، فان «معظم الفلسطينيين يعتقدون أن إسرائيل تنظر الى السلطة الفلسطينية باعتبارها تلعب دورين مهمين: تعفي سلطة الاحتلال من مسؤولية رعاية أولئك الذين يعيشون في ظل الاحتلال، وتقي إسرائيل التي ترغب في حماية هويتها اليهودية من التهديد الديموغرافي المتجسد في واقع الدولة الواحدة الحالي». وأضافت الدراسة، التي حملت عنوان «مبادرة اليوم التالي»، بمعنى اليوم التالي لانهيار السلطة الفلسطينية، أنه رغم ذلك فان «اسرائيل قد تلجأ الى فرض عقوبات من شأنها أن تؤدي، عن قصد أو عن غير قصد، إلى انهيار السلطة الفلسطينية». بالمقابل، ومن وحي الدراسة ذاتها، يرى فلسطينيون كثر (بعضهم في أروقة قيادية رفيعة) أن المقارفات الإسرائيلية تقود عمليا إلى تفكيك السلطة الفلسطينية. بل إن قياديين من هؤلاء يرون أنه لا ضير من أن تحل السلطة الفلسطينية نفسها بنفسها «لإجبار إسرائيل على تحمل مسؤوليتها الكاملة كقوة محتلة». وبحسب هؤلاء، فإن هذا الامر في حال حصوله، سيضطر إسرائيل «لأن تختار بين خيارين لا ثالث لهما: تعزيز واقع الدولة الواحدة - مما سيضطرها أن تصبح دولة فصل عنصري أو تمنح الفلسطينيين حق المواطنة الكاملة - أو إنهاء احتلالها ومنح الفلسطينيين الاستقلال والسيادة». وبالفعل، يرى قادة فلسطينيون أن «حل السلطة» ربما يكون أمرا لا مفر منه والطريق الوحيد الكفيل بإحداث هزة في الوضع بحيث يفرض على اسرائيل عبئا كبيرا تعود بموجبه إلى إنفاق الأموال مرة أخرى لإدارة شؤون الفلسطينيين (تحت الاحتلال) في المجالات المختلفة، وهذا سيؤدي الى جدل كبير داخل المجتمع الاسرائيلي، حول مستقبل الأراضي الفلسطينية. ويؤكد هؤلاء القادة أنه قد بات مطلوبا من منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية إحداث مثل هذه «الهزة»، بحيث يتم رفع الغطاء الذي يمرر (نتنياهو) من خلاله كل مخططاته «الاستيطانية». فهذا الأخير لا يرى في السلطة شريكا حقيقيا في العملية السلمية، وهو مستمر في قضم ما تبقى من أرض فلسطينية في القدس والضفة.
أما خيار «أضعف الإيمان» قبل فوات الأوان فإنه يستوجب، في أعين عدد متنام من القياديين الفلسطينيين، توجه القيادة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة مجددا. وللرد على التخوفات يستذكر قادة فلسطينيون كيف أنه سبق وأن هدد الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) عبر 3 «رسائل تهديد» بقطع المساعدات المالية عن السلطة إن هي أصرت على الذهاب للأمم المتحدة (مع أن البعض كان دوما يعتقد أن «تهديد» الإدارة الأمريكية لم يكن، أصلا، جديا لإدراكهم العميق بأن إسرائيل هي الملامة). وفي كل الأحوال تجاهل الرئيس الفلسطيني هذه «التهديدات» ولم تقم واشنطن بقطع المعونات. وثمة تقدير بأنه حتى لو «حردت» واشنطن فإنها لن تجرؤ على إعلان انسحابها من دور الوسيط لأن في هذا إعلان عن تدمير «عملية السلام»، وربما ينظر له – عمليا - على أنه تخل عن إسرائيل، والأخطر: دعوة للأمم المتحدة لتولي الأمور. وعليه فإن قيادات فلسطينية متزايدة باتت تدعو إلى مثل هذه الخطوة على أن تأتي في إطار معركة سياسية متواكبة مع تحركات جماهيرية ضد الاحتلال، الأمر الذي سيقود إلى نتائج أقلها نقل القضية الفلسطينية من «المستنقع» الحالي الآسن، إلى مجرى «النهر» المفتوح على مختلف الاحتمالات لكنها جميعها احتمالات أقل سوءا من الحال الراهن، وعندها فقط لن تلام السلطة من شعبها على أي نتائج قد تترتب.