وفق تقليد سنوي، يلتقي القادة العرب، الملوك والأمراء والرؤساء العرب، في الكويت، هذا اليوم، في القمة الخامسة والعشرين، التي تنعقد تحت علم الجامعة العربية، التي كانت قد تأسست اصلا بعد ان بدأت الدول العربية التي كانت عبارة عن مستعمرات في الاستقلال، مع بداية العقد الخامس من القرن العشرين الماضي، بهدف تحقيق حالة من التضامن العربي، بعد تعذر تحقيق الوحدة العربية، واقامة ما سمي النظام القطري، حيث أقيمت الدول تباعا، وحيث تم توزيع العالم والأمة العربية على اكثر من عشرين كيانا سياسيا، في استثناء كوني، عجزت خلاله الأمة العربية عن تحقيق واحدة من اهم طموحاتها، وحقوقها الطبيعية بين الأمم في الوحدة والاستقلال.
ومنذ نشأتها وحتى سنين قليلة مضت، شهدت الجامعة العربية، تجاذبا بين محورين ارتبط كل منهما بأحد قطبي الحرب الباردة التي كانت تدير العالم، منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى تفكك الاتحاد السوفياتي السابق قبل أكثر من عقدين من السنين، ورغم أن ما كان يشهده النظام العربي، ممثلا بالجامعة ومؤسساتها، من تجاذب وصل ذروته في حرب اليمن، بين نظامي التحرر الوطني، الذي أقام الجمهوريات العربية، بقيادة جمال عبد الناصر، والنظام المحافظ التقليدي، الملكي الذي كانت تقوده السعودية، التي احتفظت لاحقا بقوتها من خلال مجلس التعاون الخليجي، حيث تتماثل انظمة الخليج من حيث أن نظامها هو ملكي او اميري متوارث، يحكم دولا صغيرة من حيث عدد السكان، وغنية بثروتها النفطية، ومتحالفة مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة، والدول العربية المركزية ذات الوزن السكاني: مصر، العراق، سورية والجزائر، والتي تحالفت مع الشرق بقيادة الاتحاد السوفياتي، إلا أن تراجع التأثير بات سمة واضحة لهذا النظام.
صحيح ان الجامعة العربية، منعت الى حد كبير، بعض الدول العربية من التحالف مع دول اقليمية، وحددت سياسة عربية عامة، تجاه كثير من القضايا العربية، مثل قضية فلسطين، إلا أنها أيضا، لم تنجح في حل كثير من القضايا القومية، وفي مقدمتها، المسألة الفلسطينية، وقضية الوحدة، أو التوحد ولو بشكل فدرالي بين الدول العربية.
ومنذ عدة سنوات، باتت تمر هذه المناسبة دون اهتمام اعلامي، نظرا لعدم تحقق معظم القرارات التي تتخذ في القمة، والتي تبقى حبرا على ورق، وباستثناء، الظهور الاعلامي، كمجموعة اقليمية، فان مناسبة انعقاد القمة تمر عادة دون ان يهتم بها أحد، وهذا دليل على أن الزمن قد تجاوز هذا الشكل من النظام العربي، وحيث ان المجتمعات العربية، في تمركزاتها الرئيسة: مصر، سورية، اليمن، والعراق، تشهد حراكا مجتمعيا، يسعى الى تغير النظام داخل الدولة، فان هناك ما يدعونا الى القول إنه بعد اقامة أنظمة حكم بديلة، لا بد أن يتغير جوهر النظام الجماعي، الى مزيد من الاقتراب من الطموحات الشعبية، بحيث يتحول نظام الجامعة من جامعة الانظمة الى جامعة الشعوب !
مع ذلك، فان قمة الكويت تواجه تحديات جمة، ومباشرة، بدءا من الملف السوري، حيث دخلت الحرب الأهلية عامها الرابع، بسقوط نحو من مئة وخمسين ألف قتيل، ولجوء ونزوح نحو 40% من الشعب السوري، أي نحو مليونين ونصف المليون لاجئ في دول الجوار: لبنان، الأردن، تركيا والعراق، ونحو ستة ملايين ونصف، داخل القطر السوري، أي تسعة ملايين مواطن سوري، فيما الخسائر الاقتصادية لا تعد ولا تحصى، اضافة للخسائر السياسية، حيث تم شل قدرة سورية عن أن تكون واحدة من دعائم القوة العربية، في مواجهة المخاطر الخارجية العديدة لدول الجوار العربي، قبل الأقطاب الكونية، وأقل ما كان بمقدور نظام عربي فعال أن يقوم به، هو وقف النار بين المتقاتلين السوريين، ويمكن ذلك، ليس من خلال توجيه الدعوات لمجلس الأمن، ولا من خلال توجيه النداء للفرقاء، بل من خلال تشكيل قوات ردع عربية، تقف بين المتخاصمين، كما فعلت في لبنان _ مثلا - أبان حربه الأهلية التي اندلعت أواسط سبعينيات القرن الماضي، ويمكن لنظام عربي، حتى وهو على هذه الحالة من الهشاشة، أن يتخذ قرارات صارمة تجاه اسرائيل، تتمثل من جهة بدعم صمود الفلسطينيين، من خلال "فرض" الوحدة الاجبارية على الفريقين، أو من خلال اتخاذ قرارات أقلها، تعليق اتفاقات السلام بين بعض الدول العربية واسرائيل الى حين التوصل لاتفاق سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وكذلك اتخاذ عقوبات محددة، تجاه أي نظام عربي يقوم باقامة علاقات من أي نوع مع الكيان الاسرائيلي، خارج قرار الاجماع العربي.
مشكلة النظام العربي، انه كان توافقيا منذ البداية وحتى اللحظة، وقراراته غير ملزمة، حيث لا تترتب عليها اية عقوبة من اي نوع، وبذلك فان اجتماعات الجامعة، بما فيها القمة، العادية والطارئة، حيث تنعقد، يغلب عليها طابع اللقاء التوافقي أو التشاوري، والقمة العربية ليست مؤسسة رئاسية، لذا فان اللقاءات أشبه ما تكون بالجولة السياحية، وما لم يحدث ضغط شعبي، فان طبيعة وجوهر النظام العربي لن يتغير، وسيظل كابحا لتطلعات وطموحات المواطنين العرب المتطلعين للوحدة والتطور والحرية. وهي بذلك تشبه قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن الجامعة العربية، أقل أهمية حتى من منظمة الأمم المتحدة، ليس لأن تلك تحتوي في عضويتها كل دول العالم، وهذه ليست أكثر من منظمة اقليمية، ولكن لافتقارها حتى لمثيل مجلس الأمن الذي يتخذ أحيانا قرارات من البند السابع التي تمتاز بالقدرة على التنفيذ، وهذه بالمناسبة فكرة يمكن تداولها، أي تشكيل مجلس قيادي للجامعة، في سياق بحث أشكال تفعيل الجامعة.
الى عهد قريب، كانت ترافق القمة تظاهرات، تجمعات، ورفع عرائض أو ما شابه من الشارع العربي، لقمته التي تقرر مصيره، دون أن تكون على درجة كافية من الكفاءة، لكن السنوات الأخيرة لم تشهد، حتى مثل هذه الأمور، ما يعني ان المواطن العربي لم يعد مهتما لا بالجامعة العربية ولا بقمتها، التي تقوم باخفاء الكثير من الحقائق، ومن ضمنها بالطبع المشاكل والخلافات، بين "القادة" العرب (مثل الخلاف بين قطر ودول الخليج الثلاث: السعودية، البحرين والإمارات) الذين لا يجتمعون إلا على ما يحقق مصالحهم الشخصية، وإلا على ما يحقق الحفاظ على أنظمتهم المستبدة، ولو كان ذلك بشكل واضح وصريح على حساب الشعوب العربية، وعلى حساب مصالحها، طموحاتها وأهدافها القومية.