يأتي انعقاد القمة العربية في مشهد عربي بائس وحزين، حيث اللهب يلفح معظم الأقطار العربية، ودخان الحرائق المتصاعد يملأ الجو، ويكاد يصل إلى كل مواطن عربي بلا استثناء، وعندما يعثر القارئ على أخبار القمة وسط كومة من الأخبار المفجعة، التي تطفو على السطح السياسي، تصبح أخبار القمة في ذيل اهتماماته، ولا تسترعي انتباهه.
أخبار الشقيقة الكبرى «مصر» يتصدرها حكم صادر عن محكمة المنيا تقضي بإعدام ما يزيد على (500) شخص من الإخوان المسلمين، وفي اليمن تشن القاعدة هجوماً وتقتل (20) من افراد الجيش النظامي اليمني، وفي سوريا الكل يقتل الكل، وفي العراق شظايا الجثث وبقع الدماء تملأ الجدران، وحرب أهلية في دولتي السودان، وليبيا بلا سلطة مركزية وعصابات مسلحة، والصومال تغرق في بحر من الدماء، ودول الخليج منقسمة وتعيش الحرب الإعلامية المتبادلة ونزع السفراء، واسرائيل تدنس المقدسات، وتصادر الأرض العربية وتقيم المستعمرات وتعربد وترقص على جراحات العرب.
ماذا بقي للعرب، وماذا بقي للقمة، ومن سيجتمع، ومن سيتخذ القرارات، ومن سينفذ التوصيات، وماهي نقاط جدول الأعمال، وماذا سيبحثون؟ وماذا سيتركون؟.
القمة العربية تنعقد في أضعف حالات العرب وأشدها بؤساً وقتامة، ولن تنتظر الشعوب شيئاً منها ذا بال، يخص أزمة من الأزمات السابقة، ولن يكون بمقدور القمة سكب دلو ماء واحد على أي حريق من حرائق الأمة المنكوبة.
لكن هناك خوف من ان تسهم القمة في زيادة الجراحات وتعظيم الابتلاءات، من خلال ما يرشح من قضايا واقتراحات، مثل ما يطلق عليه تعظيم الحرب على (الإرهاب)، وإذا علمنا أن معظم الاتجاهات السلفية المتطرفة تستمد قوتها من بعض الدول العربية صاحبة الاقتراح تسليحاً وتمويلاً، بالإضافة إلى الاختراق العميق والشامل طولاً وعرضاً، بقي الخوف أن تتجه الأمور نحو تضييق الخناق على الاتجاهات الإسلامية المعتدلة، وهذا ما يدفع بعض الأنظمة العربية بوضوح نحوه من خلال القمة لإعلان الحرب على الحركة الإسلامية التي تعتمد المنهج السلمي في التغيير، وتنخرط في العملية الديمقراطية الوليدة المرجوّة والمأمولة.
بعض الأنظمة العربية خرجت من الربيع العربي بالقول: إن الحركة الإسلامية المعتدلة هي التي تمثل الخطر على الأنظمة العربية التقليدية لما تتمتع به من شعبية وجماهيرية ظهرت عبر صناديق الاقتراع في أغلب الانتخابات العربية والإسلامية، وهي تمثل بديلاً معقولاً يمكن أن يحظى بالقبول على المستوى المحلي والعالمي في ظل انحسار القوى الأخرى وتضاؤلها، وفي ظل التوجه الشعبي الجارف نحو الحرية والديمقراطية، ولذلك لا بد من شيطنة الحركة الإسلامية وتشويهها، ومنعها من الحركة، وحرمانها من الشرعية القانونية التي تتيح لها التمدد والانتشار، مما جعل بعضهم يفكر جديًّا بمنهج المطاردة والملاحقة بكل السبل والوسائل المتاحة.
إن من يحاول أن يقود القمة العربية نحو هذا التوجه، إنما يسعى لمزيد من صب الزيت على النار المشتعلة في الوطن العربي التي سوف تحرق الأخضر واليابس وسوف تؤدي إلى إهدار موارد الأمة ومقدراتها في حرب داخلية ضروس بلا جدوى وبلا أفق وبلا نهاية، سوى مزيد من اتساع مساحة الحريق.
العرب ينبغي أن يتخذوا قرارهم بالإجماع بالتوجه نحو تحقيق اصلاح ديمقراطي حقيقي، وأن يتخذوا قرارهم بضرورة تمكين الشعوب العربية من اختيار حكوماتها عبر صناديق الاقتراع النزيهة، ولا مجال لهم بالنجاة إلّا عبر هذا الطريق الذي سلكته كل شعوب العالم.
حصر التفكير لدى بعض الزعامات العربية بالتوجه نحو الاحتفاظ بالسلطة وكراسي الحكم، عبر القوة والعنف وسطوة الأمن، واستخدام المال وانفاقه على وأد الإرادة الشعبية وإقصاء المخالف والمنافس، تفكير غير سليم وغير موفق، ومن يحاول تزيين هذا الطرح لأصحاب السلطة إنما يصادم نواميس الكون والطبيعة التي لا ترحم الحمقى، وإن طال الزمن.