قالها الرئيس الامريكي دونالد ترامب صراحة: « لن ننسحب من العراق قبل استرداد ثمن قاعدتنا «.
كل قرارات رجل الاعمال والتاجر الكبير - قبل أن يصبح رئيسا لاقوى دولة عسكرية في العالم - لا بد أن يدخل فيها العامل التجاري والاقتصادي أولا وحتى قبل التوظيف أو التغليف السياسي للقرارات. لذلك فان مقتل الجنرال قاسم سليماني له ( ثمن ) مالي واقتصادي كبير ( قبل وبعد الحدث ).. فبقاء القوات الامريكية في العراق له فاتورة وثمن، وخروجها أيضا كذلك.. واعلان حالة الاستنفار في المنطقة بل والعالم له ثمن كبير يقدر بالمليارات ( والحساب مفتوح ) وتتم ترجمة ذلك على أرض الواقع يوما بعد يوم عقب مقتل سليماني - علاوة على فواتير سابقة بالاعداد والتخطيط لقتله - وبعد قتله تم ارسال مزيد من القوات الامريكية للمنطقة ( بكلفة مدفوعة بالتأكيد، لان ترامب يصرّح دائما بأنه لا يقدّم شيئا دون مقابل، خاصة وأن منطقة الشرق الاوسط - وحتى نفطها لم يعد أولوية بالنسبة للادارة الامريكية في عهد ترامب ).
على الجانب الاخر هناك كلفة باهظة بدأت تتفاقم جراء ارتفاع أسعار النفط في العالم وارتفاع أسعار الذهب، وغيرها من المعادن، وانعكاس كل ذلك على سلة العملات وعلى أسواق المال العالمية، اضافة لما هو متوقع من ارتفاع كلف التأمين وبالتأكيد كلف النقل والشحن البحري التي ستزداد كلّما دقّت طبول الحرب في منطقة باتت الاكثر سخونة في العالم.
باختصار.. مقتل سليماني ليس مجرد قرار سياسي عسكري بل له أبعاد اقتصادية مالية عالمية أيضا.
من الجانب الايراني ( ورغم دفعها كلفة الحصار الاقتصادي ) تمتلك طهران أوراقا ذات كلف اقتصادية، في مقدمتها البرنامج النووي الذي تعتزم المضي قدما بمراحله بعد مقتل سليماني.. وكذلك لا ننسى تحكّم ايران بمضيق هرمز الذي يمر من خلاله نحو ( 20 %) من النفط المصدّر للعالم ( 80 % من نفط اليابان يصلها عبر هذا المضيق )، علاوة على كلفة وفاتورة التواجد الايراني في العراق وسوريا واليمن وغيرها، وفي هذا أيضا نقرأ رسائل ترامب لطهران من ( أن ايران لم تكسب حربا ولم تخسر مفاوضات )، وفي ذلك رسالة لاستعداد واشنطن للتفاوض ربما على كثير من الملفات في المنطقة واعادة قراءة جميع الكلف السياسية والعسكرية وبالتأكيد الاقتصادية لكل تلك الملفات.
المشكلة أن الفاتورة الاقتصادية تدفعها أيضا دول لم يكن لها يد في العملية من أساسها ولكن بالتأكيد من (يكش) كل المكتسبات المالية هي الولايات المتحدة في الاساس، وايران ستدفع فاتورة جديدة من خلال حشرها في زاوية الرد على الضربة والصد لضربات محتملة بحسب سيناريوهات الانتخابات الامريكية المزمع اجراؤها نوفمبر / تشرين الثاني المقبل، وهناك دول عالمية أخرى سينالها من كعكة بيع الاسلحة في المنطقة جانب كبير بينما ستواصل دول في المنطقة استنزاف مقدراتها واقتصاداتها.
نحن في الاردن ليس في صالحنا سوى استقرار المنطقة وأمن وأمان العراق الذي تفاءلنا بانفراجة لم تدم ولم تصمد ولم يسعفنا الوقت للاستفادة من فتح الحدود وانتظار المشاريع المشتركة أو مشاريع «اعادة الاعمار»، كما أن أية تطورات ستؤثر على الاقتصاد الاردني الذي لا يحتمل ارتفاعا متزايدا في فاتورة النفط، ولا في تراجع التحويلات أو أي تأثير على السياحة والاستثمارات...فهل هناك رؤية أو خطط للتحوط لما هو قادم؟؟