جاءت أهم فصول الازمة الاميركية الايرانية كما كان متوقعا، ولم تخرج عن اطار المنطق او الواقع الذي فرض نفسه، حتى وان كانت خسارة ايران بحجم الجنرال قاسم سليماني احد رموزها العسكرية (والسياسية) وبصورة مست كرامتها وكبرياءها، بما يشبه التحذير بعدم التطاول او تجاوز الحدود على وقع تحديها الولايات المتحدة واستفزازها في اكثر من موقع وحادثة ومناسبة، وصلت حد هجومها على قاعدة عسكرية اميركية، واقتحامها سفارتها في بغداد من قبل مناصري ذراعها الطائفي في العراق ممثلا بالحشد الشعبي. وعندما تستهدف الولايات المتحدة سليماني، بكل ما يشكله من قوة وحضور في المشهد الايراني.. فهذا يعني انها وضعت كل الاحتمالات والسيناريوهات التي قد تلجأ لها ايران كرد فعل على هذا العمل الكبير والمفاجئ الذي لم يكن احدا يتوقعه.. معولة على الفجوة الكبيرة جدا في موازين القوى التي تميل لصالحها، ولادراكها بان ايران في موقف حرج وصعب في كيفية رد اعتبارها.. مما يفسر ربما رد ايران الخجول.. مضطرة للتوقف عند حجمها الطبيعي في التعامل مع الازمة عبر توجيه ضربة (صاروخية) مستهدفة قاعدتين عسكريتين اميركيتين في العراق كرسالة معنوية الى الداخل الايراني، ما زال البحث جاريا عن نتائجها التي تراوحت ما بين صفر قتلى، حسب التصريحات الاميركية، وثمانية قتلى حسب التصريحات الايرانية التي لا اساس لها من الصحة. مكتفية بهذا الرد المسرحي الهزيل، وبانها لا تسعى للحرب ولا للتصعيد.. وهناك مصادر تحدثت عن انها تعمدت عدم الحاق اضرار او خسائر في صفوف الجيش الاميركي حتى لا تدفع ثمن ذلك غاليا، وانها ابلغت اذرعها في المنطقة بعدم مهاجمة اهداف اميركية، إضافة الى ان الولايات المتحدة كانت بصورة الهجوم الصاروخي ورصدته، وقد ابلغت عنه من قبل جهة عراقية او عاصمة عربية.. لتستمر المهزلة بوعود قد لا نجدها الا في القاموس الايراني.. عندما هددت ايران بتوجيه ضربة ساحقة ومزلزلة للقوات الاميركية، وطردها من العراق والمنطقة، ان هي ردت على هجومها الخجول على القاعدتين العسكريتين الاميركيتين.. وانها لولا ضبط النفس الاميركي لكانت مستعدة لتوجيه ضربات اقوى والدخول في مواجهة شاملة !!!..
ليخرج الرئيس الاميركي دونالد ترامب ليرد على رسالة (التهدئة) الايرانية.. برسالة تهدئة اخرى مفادها عدم وجود اصابات في صفوف الجيش الاميركي، وان بلاده لن تستخدم القوة العسكرية ضد ايران.. مكتفية بتحجيمها وردعها بالعقوبات الاقتصادية، وذلك بعد ان التقط الرسالة الايرانية التي اشرت الى ان ايران عاجزة وكما كان متوقعا عن الذهاب بعيدا في ردها على مقتل سليماني.. مما جعله يكسب الكثير من النقاط خارجيا باستعادة هيبة اميركا ونفوذها وحضورها في المنطقة.. وداخليا حيث شتت الانظار عن الملاحقات التي كانت تطارده، وتمكن من شد انتباه الشارع الاميركي نحو المنطقة ايضا، التي طالما كان لها كلمة الفصل في حسم الكثير من المنافسات السياسية الاميركية الداخلية بما في ذلك الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وبصورة عززت من رصيده الشعبي والانتخابي في الجولة القادمة ربما، ومن موقف انصاره في الكونجرس.
في المحصلة، يبدو ان الولايات المتحدة بهذا ( الحجر الايراني ) قد نجحت في اصابة اكثر من عصفور وتوجيه اكثر من رسالة الى قوى واطراف اقليمية ودولية بعدم تحديها في المنطقة التي ما تزال ضمن اولوياتها وتمثل بالنسبة لها منطقة نفوذ ومصالح لا غنى لها عنها، حتى وان هي اضطرت في مرحلة معينة لتغيير بوصلتها في اتجاهات اخرى تماشيا مع سياستها واستراتيجيتها في مواجهة روسيا والصين تحديدا في اماكن اخرى في العالم. في الوقت الذي وجدت ايران فيه نفسها مضطرة للبقاء في حدود الاطار المحدد او الهامش الضيق المسموح لها الحركة فيه بما يتوافق وامكاناتها وقدراتها المحددة والمتواضعة كقوة ( اقليمية ) تنتمي الى جغرافيا العالم الثالث بعد ان اوهمت نفسها، وحاولت ان توهم غيرها بانها باتت قوة يحسب لها حساب.. دون ان يخطر ببالها انه ما كان لها ان تصل الى هذا الوهم لولا حالة الضعف والهوان التي تمر بها الاقطار العربية.. عندما تاهت في محيطها العربي لتجد نفسها في يد اعدائها الذين استهدفوها وتآمروا عليها، وتعاطوا معها ككعكة .. كل يريد حصته منها، وهي ما تزال تغط في سباتها العميق .. الذي لا ندري متى تصحو منه.