لم ننتظر رد فعلٍ إيرانياً، يستجلب حرباً شاملة مع الولايات المتحدة، لا قِبَل لإيران بها ... كنا من بين كثرة من المراقبين، ننتظر رد فعل «محسوب» تماماً... لكن ما حدث فجر يوم الأربعاء، جاء دون التوقع بكثير، سيما إن تأكدت التقارير الأولية، بأن أياً من الأميركيين لم «يُخدش» في الضربات الصاروخية الإيرانية.
لن نتوقف طويلاً عند «تسريبات» الحرس الثوري التي تنتمي لمدرسة أحمد سعيد في الإعلام العربي، فلو أن ثمانين من الجنود الأميركيين قُتلوا ومئتين آخرين جرحوا، لما جرؤ الرئيس الأميركي على الذهاب إلى غرفة نومه قبل إعلان الحرب الشاملة على إيران، ولكننا اليوم، أمام ميدان للمعارك، يسع المنطقة برمتها ... كما أننا لم نشترِ يوماً، لا البضاعة الفلسطينية من قبل، ولا الإيرانية اليوم، بأن إسرائيل والولايات المتحدة «تُخفيان» خسائرهما ... لا شيءَ يمكن إخفاؤه على هذا الصعيد، يمكن تــأجيل الكشف عن تفاصيل الخسائر (أسماء القتلى والجرحى)، وبخلاف ذلك، فإن المعلومات ستصل إلى وسائل الاعلام والرأي العام، بدءاً بعائلات الضحايا كما جرى العرف.
وزاد الطين بلّة، تواتر المعلومات التي بدأت على شكل «تسريبات»، قبل أن يجري تأكيدها من مصادر رسمية متعددة، من أن الجانب الأميركي كان أُخطر مسبقاً بموعد العملية الانتقامية الإيرانية، قبل وقت كافٍ لتشغيل صافرات الإنذار، ودفع الجنود إلى المخابئ الحصينة ... وقد ذهب جواد ظريف إلى تأكيد هذه المعلومة، قبل أن يلتحق به عادل عبد المهدي.
ثمة قدر هائل من «التهويل» في أوساط سياسيي وإعلاميي وعسكريي «محور المقاومة»، إن في قيمة العملية أو في دلالاتها و»رمزياتها» ... ثمة قدر هائل من «التهوين» في قدرات المعسكر الآخر، وهو هنا الولايات المتحدة، التي بدت كما يقولون «مُهانة» و»مُذلّة» و»محقّرة»، بالنظر لمستوى الجرأة في الرد، ونجاح الصواريخ الإيرانية في تخطي الرادارات واختراق الدفاعات الجوية، وغير ذلك من أساطير تنسج حول عملية جاءت دون مستوى التوقع والرهان بكثير.
المهم، أن إيران أقفلت باب «الانتقام الإلهي»، واعتبرت أن ردها قد استكمل على حد تعبير جواد ظريف، ما لم تلجأ واشنطن لشن ضربات انتقامية، لم تنتشر جثث الأميركيين وأشلاؤهم على مساحة الشرق الأوسط، ويبدو أن أحداً ليس بوارد عدّها ... دُفن جثمان سليمان وأُنزلت رايات الثأر الانتقامية، بما يشي بأن إيران اكتفت بهذا القدر من «التصعيد»، حتى وإن لم تسقط «حق» حلفائها في استهداف ما يشاؤون من أهداف أميركية، شريطة أن يكون بمقدور إيران الاحتفاظ بمسافة كافية عنهم.
ثمة من يضفي طابعاً «درامياً» على ما حصل، فيقترح أن العملية برمتها، لم تخرج عن نطاق «تفاهمات» توصل إليها وسطاء عديدون، تكفل لإيران حفظ ماء وجهها بعد الصفعة المؤلمة التي تلقتها من واشنطن، ولا تورطها في حرب لا قبل لها بها معها... هنا نذكّر بما كان قيل على لسان وسطاء، بأن واشنطن يمكن أن تصرف نظراً عن ردّ إيراني «متناسب» مع عملية الاغتيال المزدوج التي استهدفت سليماني والمهندس.
أين من هنا؟
يبدو أن إيران قد أنجزت الشق المتعلق من مهمة الثأر لسليماني ... فهل انتهت المهمة بالنسبة لحلفائها في العراق وسورية ولبنان واليمن؟ ... أما الولايات المتحدة، فليس من الواضح تماماً ما الذي ستفعله تالياً، بيد أن من المرجح أنها ستمرر «فشّة الخلق» الإيرانية من دون ردود أفعال، أو أقله من دون ردود أفعال كبيرة.