كانت زيارة إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس لإيران مفاجئة لمعرفة الجميع بأن مصر اشترطت عليه عدم القيام بزيارتها ؛ للسماح له بجولته الحالية . اغتيال أميركا لقاسم سليماني دفع هنية للخروج على الشرط المصري وزيارة طهران للتعزية في سليماني ، وهو ما لم ترض عنه مصر . ونقلت ” هآرتس ” عن مسئول مصري أن القاهرة قد تؤخر عودة هنية إلى غزة ، أو لا تسمح له بالسفر مستقبلا ، وربما يزيد من الاستياء المصري المعزز بالاستياء الإسرائيلي تجاه حماس ما كشفه مسئولها في لبنان أحمد عبد الهادي عن قيام سليماني بعدة زيارات إلى غزة . والأسئلة هنا كثيرة ، منها : كيف لم تعلم الاستخبارات المصرية والإسرائيلية بتلك الزيارات ؟! هذا يقدح قدحا عنيفا في كفاءة استخبارات البلدين ، ويبرهن كفاءة حماس وإيران . وفي هذه الساحة ، ساحة الاستخبارات ، أعجزت حماس استخبارات البلدين واستخبارات السلطة الفلسطينية في إخفاء الجندي الإسرائيلي المخطوف جلعاد شاليط خمس سنوات ، من 2006 إلى 2011 حين عقدت صفقة تبادله مع 1027 أسيرا فلسطينيا في سجون إسرائيل ، وما زالت حماس تواصل إعجازها لاستخبارات إسرائيل بإخفاء بعض الأسرى الإسرائيليين أحياء أو أمواتا انتظارا لعقد صفقة تبادل جديدة ما زالت إسرائيل تتردد في عقدها شعورا منها بأنها عقدت صفقة المغبون في 2011 حتى إنها أخلت بها بعد ذلك ، فأعادت اعتقال أكثر من 50 أسيرا ممن حرروا فيها ، ولا يزال إطلاق سراحهم شرطا أوليا لحماس قبل عقد أي صفقة جديدة . وعلى خلاف ما يتمناه الإسرائيليون ، نقدر أن مصر لن تمنع عودة هنية إلى غزة ، أو تؤخرها بعض الوقت ، أو تمنعه مستقبلا من أي جولة جديدة ،
وأسباب تقديرنا المتفائل :
أولا : طبيعة الشخصية المصرية الجانحة دائما إلى الخير والطيب من الأقوال والأفعال ، وقد يبدو كلامنا غريبا في هذا المجال إلا أنه حقيقة أصيلة في السلوك المصري في كل الأحوال ، ومصر على ما يشوب نظامها الحالي من نواقص وعيوب ليست من الغفلة بحيث تدفع خصومها في الإقليم للقول إنها منعت فلسطينيا أيا كانت صفته من العودة إلى وطنه .
ثانيا : هنية شخصية دمثة مهذبة ، وعلاقته بالمخابرات المصرية العامة حسنة ، وهي تفضل التعامل معه على التعامل مع غيره في حماس .
ثالثا : واقع غزة الحالي يلزم مصر بالتعامل مع حماس بصفتها السلطة التنفيذية فيه ، ولهذا التعامل صلته بالأمن المصري في سيناء .
رابعا : تهتم مصر بتقديم نفسها بصفتها الحامل الأساسي للورقة الفلسطينية ، وتوتر علاقتها مع حماس ينقص من هذه الصفة ، وترتيبا على هذه الحقيقة نراها دائما تحافظ على شعرة معاوية مع حماس .
خامسا : هي وسيط بين حماس وإسرائيل في كل ما يحدث بينهما من مشكلات وتعقيدات ، والوسيط يجب أن يكون على صلة مريحة مع من يتوسط بينهما ، وتكشف مصادر حماس أن التهدئة مع إسرائيل وصلت إلى مراحل متقدمة عبر الوساطة المصرية ، ولا يمكن أن تفعل مصر في الوقت الحالي ما يعطل هذا التقدم الذي دفع السلطة الفلسطينية إلى عقد اجتماع لتدارسه ، وتحذير مصر من عواقبه التي قد تفتح الطريق لدولة غزة التي قد تكلف مصر امتدادا لمساحة ما في سيناء !
ومصر على كل حال ليس بينها وبين إيران مسوغات واقعية للجفاء أو العداء ، وهي إذا تبدو كذلك إنما تجامل النظام السعودي الذي يزعم أنه لا عدو له في الدنيا سوى إيران ، وزيارة هنية لإيران على رأس وفد من الحركة مهما كانت قيمتها السياسية كانت بدافع إنساني لتقديم العزاء للدولة وللشعب في إيران ، ومن مصلحة مصر أولا ألا تعارض الزيارة حتى لا تظهر مؤيدة لاغتيال أميركا لسليماني ، ومعادية لإيران دولة وشعبا . وفي ضوء ما سبق نستبعد أن تمنع مصر عودة هنية إلى غزة أو تؤخرها .