لا يكفي أن تقطع السلطة الفلسطينية علاقاتها مع الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية ولا تتواصل معهما. بل عليها أن تحلَّ نفسها؛ ليعود الوضع إلى المربع الأول الطبيعي والحقيقي للقضية: شعب تحت الاحتلال، وعليه أن يقاوم ويقاوم. ربما هذا ما يطلب في هذا الوقت العاثر.
فقد ثبت أن لا مفاوضات ولا محادثات ولا اتفاقيات سلام ستجدي نفعا مع هذا الكيان المحتل المخادع. بدءا من محادثات مدريد واتفاقية أسلو التي لم تثمر شيئا لصالح الفلسطينيين. فالولايات المتحدة لا يمكنها أن تلعب دور الوسيط النزيه. هي تميل بكليتها إلى ذلك الكيان. فلا عجب أن جاءت الصفقة على قدر ما يريد نتيناهو ويشتهي.
لكني أخشى أن تكون مآسينا ساعات منسية. نحمى سريعاً وبسرعة نبرد. وأكبر قضية لا تشغلنا أكثر من ثلاثة أيام وثلث اليوم، وهي الفترة المتعارف عليها لبيوت العزاء. فالذي راقب التحشيد الفيسبوكي يجزم أن الأمر كان محسوما لصالحنا لا محالة. وينسى أننا ننسى بأسرع مما نتذكر. ونفتر بأسرع مما نسخن.
يمكن للصفقة التي أطلقت في واشنطن أن تسمى اي شيء آخر غير أنها خطة سلام. هذه وصفة ملائمة للحرب. فهي هبة لنتنياهو الذي يعاني وضعا داخليا صعبا. وجواز مرور لترامب ليجدد ولايته. ولم يحسب حساب أي شيء آخر.
قالوا عن صفعة القرن أو صفقته أو طعنته بأنها خطة ملفقة دحرجها بطيش وعنجهية وغرور ترامب إلى الشرق الأوسط بيد صهره كوشنر. ولكنها طعنة دوارة تتلاءم مع انحيازه الفاضح للكيان الإسرائلي لا شيء يخص السلام فيها.
فظلال الكلمات ومعانيها عن ذلك السلام المفقود لم تعد تتحملها قواميس خسارتنا، أو تقدر عليها رجاحة موازين حكمتنا أو صبرنا. فعن أي سلام يهذرون ويثرثرون؟ أي سلام ذلك القادر على أن يزدهر في تربة مروية بملح الكراهية، وقطران الظلم، واشلاء الاغتصاب؟.
الصفقة ولادة للأسئلة، وهي مجهضة لأية إجابة لربما تخرج عن مسرب ذلك الهروب الذي يريده الثور في هياجه. ففي لحظة استعراض موجعة لتاريخنا المرشوم بالطعنات تصورت هذه التهويمة المسماة صفقة القرن ثوباً يخاط لنا منذ زمن بعيد. هو ثوب لوسادة اسفنج امتصت خيبات قرن أو أكثر، أو لربما ستمتص خيبات قادمات في قرن أو أكثر.
ثمة من بقي يقول ويردد ويرفع صوته: أيها القوم. هذه أمة. ربما تكون قد كبت وخبت، ولكن دمها ما زال ينض. هي مثل طائر الفينيق ستنبري ناهضة من الرماد ولو بعد حين. نحن أمة ولادة ولسنا وسادة.