شكل الإعلان عن (صفقة ترامب- نتنياهو) تحوّلاً حاداً وجاداً في القضية الفلسطينية حيث: الضعف العربي، والاختلال الإقليمي والاضطراب الدولي. أما على الصعيد الأمريكي، جاء الإعلان انقلاباً على الشرعية الدولية من جهة، واسقاطاً للسياسة الأمريكية، رغم انحيازها إسرائيلياً /صهيونياً، من جهةٍ أُخرى.
تنطلق الصفقة أو الخطة الأمريكية من فرضية (فشل جهود الإدارات الأمريكية المتعاقبة على قضية الشرق الأوسط، تلك الجهود التي حاولتْ أن تجسّد الفجوة الكبرى بين ( طموحات الفلسطينيين المشروعة، وأطماع الصهيونية/ الإسرائيلية)..
والتي فشلت أيضاً لانحيازها الصهيوني من جهة، ولضعف قدرتها ورغبتها في كبح الأطماع الصهيونية من جهةٍ أُخرى.
اختلف فريق ترامب عن سابقيه في المنهجية: فبينما كانت القضايا الخمس الرئيسية والمعقدّة في هذا الصراع، وهي: القدس واللاجئون والحدود والأمن والاعتراف المتبادل، كانت مؤجلة لما سمي بالحل النهائي ومراحله؛ فإنه ألغى تلك القضايا على الطريقة (الكيسنجرية) – أي خطوة بعد خطوة- وقدمها هدية أو ما يسمى (bonus) بونص لإسرائيل.
كانت الحجة الإسرائيلية بتخوفها من خطورة عدم ضبط الحدود ( الأردنية- الفلسطينية) مما قد يتيح إمكانية اختراقها لتهديد (أمن إسرائيل). ونجحت الدبلوماسية الإسرائيلية في تسويق هذه المقولة إلى (ترامب وفريقه)، وأن معالجة هذه المشكلة لا يتم إلا بضم غور الأردن غرب النهر لإسرائيل، وتمكين السلطات الإسرائيلية الأمنية من السيطرة المحكمة على تلك المنطقة الحدودية. وتكون إسرائيل بذلك قد حاصرت الدولة الفلسطينية المحتملة، وأحاطت بها كالسوار في المعصم.... فتصبح منطقة أريحا معزولة.
أما قضية القدس، والتي كانت الإدارات السابقة تؤجل نقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية إليها كلما مرت ستة أشهر على التأجيل، فجاءت (الخطة) لترسخ تقديمها كاملة موحدة (بونص) آخر، وتضعها تحت السيادة الإسرائيلية، وتقتطع (حارات) مجاورة لتكون عاصمة للدولة الفلسطينية، مع إجازة اختيار أي تسمية لها من قبل الدولة الفلسطينية.
كما لم يعد (الحفاظ على الوضع القائم) في (الحرم القدسي الشريف) من الأمور الثابتة في السياسة الصهيونية، ومن ناحية أخرى فإن المساس (بالحرم القدسي الشريف)، وانتهاك قدسيته بأي شكل من أشكال الاقتحامات اليهودية، وبخاصة قطعان المستوطنين الأشرار، سيخلق حالة من الغليان، فهو ساحة أرضية، وما تحتها وما فوقها وسماؤها،.. لا يمكن التفريط بها، أو السماح بالاعتداء عليها، وطابعها الديني الإسلامي.
أما المستوطنات، والتي كانت في السياسة الأمريكية، عائقاً أمام عملية السلام (الموؤدة). فقد قدمتها (خطة ترامب) منحة لإسرائيل، فهي تتواصل مع الكيان الصهيوني بخطوط اتصال غير مرئية، سواء المستوطنات الكبرى أم البؤر الاستيطانية العشوائية، بينما تتواصل أراضي الدولة الفلسطينية بالجسور المعلقة أو الأنفاق.
لقد كانت إسرائيل تعلن أنها ترفض أي حل يفرض عليها. وكانت السياسة الأمريكية تؤكد (أن التفاوض بين طرفيْ النزاع، الفلسطيني والإسرائيلي، هو السبيل الأمثل للحل)، وها هما، ترامب ونتنياهو (إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية) يفرضان الحل.
فقد جاءت الخطة تكرس، أسلوب الفرض (Diktat) أي (السمع والطاعة والإذعان) لخطة (ترامب- نتنياهو).
إن الخطورة ما تزال قائمة: فالقرارات العربية والإسلامية لا تخرج عن الدائرتيْن: العربية والإسلامية. وما زال الموقف ضعيفاً خارجهما، سواء الأوروبي الخجول أم الدولي الهادئ، وستدخل القيم الدبلوماسية الغربية والدولية في أزمة غير متكافئة مع الصلف أو التمادي الصهيوني- الأمريكي.
ويظل الأمل في الشعوب وإرادتها في تمسكها بحقها المشروع.