لم تدم فرحة نتنياهو كثيرا لتغيب عنه تلك الابتسامة العريضة وذاك النصر الذي تحقق له في البيت الأبيض، اثر إعلان ترمب عن صفقة القرن، فقد أثار قرار نتنياهو، إلغاء الجلسة الحكومية التي كانت مقرّرة الأحد لضمّ مستوطنات الضفة المحتلة وغور الأردن بموجب ما تضمّنته «صفقة القرن»، تساؤلات حول أسباب هذا القرار، وسط خلافات في الموقف من الضمّ بين مؤيّدي تنفيذه سريعاً، وبين دعاة التريّث فيه إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية للحدّ من التداعيات وردود الفعل الفلسطينية والدولية والاقليمية. يقف على رأس معسكر الضم الفوري السفير الأميركي في إسرائيل، ديفيد فيردمان، الذي حاول دفع حكومة نتنياهو الانتقالية إلى اتخاذ إجراءات ضمّ فورية خلال أقلّ من أسبوع بعد إعلان الصفقة، فيما يقف مستشار الرئيس وصهره، جاريد كوشنر، موقفا مغايرا عندما قال: «نأمل أن ينتظروا إلى ما بعد الانتخابات، وسنعمل معهم للتوصّل إلى شيء ما». وكما يبدو أن الغلبة كانت لكوشنر، الذي أعرب لاحقاً عن اعتقاده بأن نتنياهو «لن يسارع إلى طرح مسألة الضمّ في جلسة الحكومة» الأحد.
هكذا، حسم البيت الأبيض الجدال الإسرائيلي في شأن توقيت الضمّ، الذي أراده نتنياهو سريعاً لتحصيل ما أمكنه من مكاسب شخصية عشية الانتخابات، خاصة أن إعلان الصفقة بذاته لم يغير كثيراً من مزاج الجمهور الإسرائيلي، بعد أن أظهرت استطلاعات الرأي أن لا تغييرات تُذكر بين المعسكرات في حال أجريت الانتخابات الآن. كان نتنياهو يأمل، من خلال الضمّ السريع، إحداث تغيير في صناديق الاقتراع، وتخفيف وطأة المعارضة اليمينية المتطرفة التي صبّت ماء بارداً على الصفقة وتداعياتها. لكن في المقابل، بدا أن الجيش الإسرائيلي «أُخذ على حين غرّة»، كما تسرّب عن المؤسسة الأمنية التي أشارت مصادر رفيعة فيها إلى أن الجيش تلقّى تفاصيل عن الصفقة قبل ساعات من علم الجمهور بها، الأمر الذي تركه «غير متجهز لمواجهة تداعيات وردود الأفعال الفلسطينية »، وفق ما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت».، تبدي محافل أمنية إسرائيلية رفيعة استياءها من فكرة ضمّ غور الأردن تحديداً، لما لهذا القرار من تداعيات في العلاقات مع الأردن، ربّما يكون بدوره ذلك واحداً من أسباب منع الضمّ الفوري، ريثما يتمّ التمهيد لإقناع الأردن إذا تسنى ذلك بوجهة نظر المتريثين، تقول المصادر الإسرائيلية إن الردّ الأردني العلني، الذي يرفض الصفقة ويصفها بالخطيرة، لا يُعدّ شيئاً مقارنة بما سمعه ضباط من ردود قاسية، وتهديدات بأنه «إذا أقدمت إسرائيل على ضمّ الغور، فلن يكتفي الأردنيون بالإدانة».
هذا وقد اعتبر فريق من المحللين الإسرائيليين أن «صفقة القرن» أعادت فجأة القضية الفلسطينية إلى موقع الصدارة ولن تصب في مصلحة إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو شخصيا، على عكس توقعاته. وقال المحلل أيهود يعاري عبر القناة «12» عقب انتهاء اجتماع جامعة الدول العربية عن الرئيس محمود عباس إن «الرئيس (عباس) سيطر على زعماء المنطقة (القادة العرب)، وجرهم إلى إصدار بيان يرفض صفقة القرن».وأضاف أن «هذه صفعة لنتنياهو، وهذا إنجاز كبير على المستوى العربي لأن بيان الجامعة العربية سيمهد لاستصدار قرار من القمة الإسلامية والأمم المتحدة لرفض (صفقة القرن)، وإذا تم ذلك فإنه سيعني وفاة الصفقة قبل أن تعيش». وسخرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية من نتنياهو بقولها إنه «لن يستطيع ضم الضفة وفقط استطاع ضم السجينة نعمة يسسهار». وحقيقة أن «من كتب الصفقة لا يفقه شيئا في الواقع، ففريدمان وكوشنير وغرينبلات منفصلون عن الجغرافيا، كما يقول أمنون أبراموفيتش.