وسط حالة “اللامعقول” التي تشهدها العلاقات العربية العربية، يكمن فهم الزيارة التي قام بها امير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الى عمان، كمحاولة لكسر الحالة بدل تعميقها، او لتجاوزها بدل الاستغراق في مناخاتها المزعجة، صحيح ان الزيارة تشكل خطوة في طريق الآمال والرغبات، لكن الصحيح –ايضاً- انه يمكن “البناء” عليها واستثمارها لتحقيق ما يلزم من وقائع ومتغيرات.
لاشك ان العلاقات الاردنية القطرية خضعت على مدى السنوات الماضية لمنطق الحركة تارة والجمود تارة اخرى، لكنها حافظت على درجة مناسبة من “الدفء” ، وربما كانت الزيارة الاولى للأمير القطري (حين كان وليا للعهد) قبل نحو عامين الى عمّان، اشارة لبداية مرحلة جديدة، لكن هذه الزيارة لها “معنى” آخر ودلالات آخرى، خاصة في سياق التحولات التي عصفت بعالمنا العربي وفي داخل البيت الخليجي ايضاً، الأمر الذي يدفع الى قراءتها وفق هذه السياقات الملبدة بالغيوم والاستفهامات.
على الطرف الاردني ثمة خمسة مرتكزات على الاقل يمكن الاستناد اليها لفهم ما قد تتضمنه هذه الزيارة من رسائل وألغاز، المرتكز الاول هو ان عمان تقف على مسافة واحدة من دول الخليج العربي، ولا تريد ان تندرج في اطار “التصنيف” او “الانحياز” وبالتالي فأنها تتعامل مع الجميع بمنطق بناء الجسور او ترميمها لا بمنطق القطيعة او الاستعداء، والمرتكز الثاني ان عمان تدرك ان ما حصل بين “الاشقاء”ربما يكون سحابة صيف عابرة، ومتعلقة باختلافات “مرحلية” تقف وراءها نوازل أصابت “الجسد” العربي،وخاصة مصر، وبالتالي فان البيت الخليجي قادر على استيعابها وتجاوزها او ربما الاستفادة منها لخلق حالة جديدة تضيف الى مجلس الوحدة الخليجي ما يلزمه من حصانة وقوّة في مواجهة التحديات التي تعيق حركته ، اما المرتكز الثالث فهو ان عمان ليست مع “محاصرة” الدوحة ولاغيرها من العواصم العربية، لان نتائج “الحصار” وتجاربه ايضاً ليست في مصلحة احد، وبالتالي فإن الانفتاح من قبل عمان على غيرها يصب في مصلحة كافة الاطراف ولا يجوز ان يحسب كنوع من “الانحياز” ،اما المرتكز الرابع فهو ان الاردن لا يفكر ولا يريد “الاستثمار” في الخلافات العربية، وانما يسعى الى محاولة “ادارتها” بما يمتلكه من امكانيات، كما يحاول تجاوزها للاستثمار في التآلف والتوافق العربي، لانه –بحكم موقعه- له مصلحة في هذا التوافق..وهو سيتضرر –ايضاً- من غياب هذا التوافق او افتقاده، ويبقى المرتكزالخامس وهو يتعلق بالعلاقات القطرية الاردنية ، سواء على صعيد المجال السياسي او الاقتصادي، فللبلدان مصلحة مشتركة في توطيد هذه العلاقة، وكما ان عمان حريصة على تطوريها نظراً لاعتبارات معروفة فإن الدوحة ايضاً بحاجة الى “استثمارها” في هذه المرحلة بالذات.
ثمة مسألتان لابدّ من الاشارة اليهما في هذا السياق، الاولى ان عصر “التحالفات: والمحاور اصبح في المدى المنظور وراء ظهورنا، فبعد التحولات التي شهدها العالم العربي في السنوات الثلاثة الاخيرة “اختلطت” الادوار وتبدلت المهمات، ولم يعد كما كان ثمة مشروعان متقابلان يغريان على “الاصطفاف “ اذ ان لكل دولة –اليوم- مشروعها التي تنشغل به، كما ان “المصالح” اصبحت هي العنوان للقاء او الافتراق، وحتى هذه “المصالح” لمم تعد ثابته وانما محكومة باعتبارات زمنية متحركة وعوامل داخلية وخارجية متناقضة، كما ان “الاقطاب” التي كانت المحاور تدورحولها تغيرت، وتفرعت اولوياتها، لدرجة اصبح من الصعب ان تعرف: من يدور حول من؟ وبناء على ذلك فإن لقاء الدوحة مع عمان يندرج في اطار “البحث” وسط هذه السيولة السياسية التي تعاني منها المنطقة،عن “مرفأ” صغير للاستراحة وتحديد اتجاه البوصلة للمرحلة القادمة.
ما المسألة الاخرى فتتعلق “بالقضايا” السياسية المشتركة بين عمان والدوحة، وفي مقدمتها القضية الفلسطنية، واعتقد هنا ان حماس ليست بعيدة عن الصورة خاصة اذا ما تذكرنا بأن زيارة الامير القطري الاولى فتحت “الباب” لعودة حماس الى عمّان ، لكنها عودة “انقطعت حتى الآن ، ولا يستبعد وسط ما يجري من كلام حول “التسوية” وخطة كيري وتصاعد الخلاف داخل فتح وبين السلطة مع حماس ان تمهد هذه الزيارة “لعودة” ثانية(قد تتأخر في التوقيت) بما يخدم مصالح الاطراف كلها،وقبلهم القضية الفلسطينية.زد على ذلك ما يتعلق بالملف السوري ،خاصة في ظل ما يشبه التوافق الاردني القطري على “مشتركات “ التحول في التعامل مع الازمة في المرحلة القادمة.
باختصار،ربما لا تخفي عمان رغبتها في “التدخل” الايجابي لرأب الصدع بين الاشقاء في الخليج، وربما تحاول ان تقوم بجهد ما على هذا الصعيد، لكن هذا يحتاج الى “قبول” الاطراف كلها بمنطق المصالحة، واعتقد ان “اللحظة” لم تنضج بعد من اجل القيام بهذا الدور.
تبقى نقطة اخيرة وهي ان زيارة الامير القطري لعمان، حظيت بالترحيب رسمياً وشعبياً، وهي تفتح امامنا باب “الامنيات” للخروج من حالة “اللامعقول” التي تسود عالمنا العربي، وعلى الرغم من ان الدولتين ليس لديهما مفاتيح الحل، استناداً للجغرفيا والديمغرافيا، الاّ انهما يمتلكان اوراقاً سياسية هامّة، وقبل ذلك “نوايا” طيبة، لدق الخزان العربي من الداخل، ومحاولة تغيير الصورة، ولو بتقديم “نموذج” جديد يمكن ان يكون ملهماً للجميع.