على وقع الإقليم الساخن باحداثه، وفي منطقة وعالم لا يمكن التنبوء فيه بمصائر الغد، يتحرك الملك عبد الله في اكثر من اتجاه، قابضا بزمام العقل والصبر على كل الملفات، واحيانا قد لا تجعلنا ظروفنا الداخلية ندرك او نعرف حجم الجهد المبذول.
من بيت عربي مهترئ بفعل ربيعه،إلى خلافات الأشقاء، إلى واقع وطني مالي واقتصادي صعب، إلى رهان ومخاوف على نهايات فلسطينية مفجعة لا قدر الله، إلى حلفاء العالم والقوى الكبرى الذين ناصبوا العداء بين بعضهم، إلى قوى محلية لا تريد رؤية الإنجاز الأردني، تدور حركة الملك وهو يسعى لكي ينفذ بالأردن من منطقة ملتهبة ومنكسرة حضاريا إلى حدّ لا يعقل.
في الداخل الأردني وفيما الملك يدور الدنيا لتجنيب الأردن المخاوف والمخاطر، ترتفع أصوات النخب السياسة للتحليل والتفكير نيابة عن الأردنيين، وتحاول بعض القوى السياسة ان لا ترى الإنجاز المتحقق، ويكفينا منه أننا بجهد الملك وعزم المخلصين الأردنيين بلغنا حدود الأمان وصرنا مقصد الجميع الساسة والملوك والمحتاجين.
حين نرى بعض الأصوات وبعض التحليلات التي سمحت لنفسها أحيانا ان توجه عقل الدولة وتقرر مع أي طرف يجلس أو يزور الملك أو لا يزور، ندرك من أي زواية في العقل تتحدث تلك الأصوات والاراء، إنها من عقل بارد لديه اعتقاد سياسي وتضخم يحيل البعض إلى أن يتوق كي يحدد اجندة الملك، لأنها في ظنهم يجب أن تمر بين أيديهم فهم الخبراء بسياسات العالم.
في زمن الربيع الملتهب زار الملك كل المحافل والتقى كل قادة القوى الكبرى وبرلمانات العالم وماحفل السياسة، وهي ليست زيارات في زمن الرخاء،ولا لبيع موقف سياسي، بل كان وما يزال يحمل الهم الوطني والأولويات الوطنية، وكان عليه في كثير من المواقف ان يخرج ويشرح ما يجري. ذلك أن البعض ران على قلبه ولا يحب أن يسمع أو يرى ما تحقق من فعل، ولكنهم يزورون المستدبرين ويمنحونهم القاب الصمود والمقاومة.
وبالنظر إلى الانجاز المتحقق، وإلى الحضور الأردني في معادلة السياسة، وما تحقق من تأمين للوضع الاقتصادي برغم الغلاء وتحديات العيش اليومي المستمرة، وبرغم أن الحكومات لم تنجز كلها رؤى الملك، إلا أن ما تحقق من جهود ملكية يبدو أنه لم ينصف، ولم يراه البعض ممن يطلون علينا من عقل التاريخ والقومية والتقدمية والبؤس والتضخم والأنا العالية.
أخرجنا الملك عبد الله من مأزق الربيع العربي باقل الخسائر، برغم الضغوط المهولة عليه، وفي خطابات كانت النزعة الوطنية واضحة وتتجه بكل صدقية نحو القضايا الوطنية وليس البحث عن الادوار في المنطقة، وفي عهده خرج الأردنيون بكل أنواع الاحتجاج التي لم يسبق ان خرجوا بها، وطاله النقد وطال خاصته، لكن أبى أن يكون مستبدا، وظل على إصراره بالفخر بشعبه، وبثقته بالمستقبل الأردني الذي يبنيه الشباب الأردني. وهم ينتشرون في كل أمكنة الدنيا.
نعم اخرجنا الملك، وقادنا لبر الأمان، ومعه مخلصون كثر علموا وتحملوا النقد، وقد جال الدنيا والمحافل لكي يبرز تحدياتنا وانجازتنا، وظل محافظا على حضور وطنه وفاعليته، وبقي مقصد الرجاء والغوث لكل محتاج، وظلت المنطقة وقادتها يطلبونه لوزنه وحضوره وعلاقاته الموزونة التي جعلت من الأردن عنصر استقرار وفاعل إقليمي لا يمكن تجاوزه.