أخر الأخبار
كذبة نيسان: بدعة اجتماعية تترك آثارها المتضاربة على الأفراد
كذبة نيسان: بدعة اجتماعية تترك آثارها المتضاربة على الأفراد

عمان - الكاشف نيوز : لم يكن العشريني محمد الطيب يعلم أن كذبة نيسان التي داعب بها أهله ستسبب لوالدته جلطة تدخلها العناية المركزة لمدة عشرة أيام.

كذبة محمد في هذا اليوم رسمها منذ دخوله المنزل متجهما وغاضبا يشتم الجامعة تارة وحظه السيئ تارة أخرى، ومن ثم صدم والدته بخبر رسوبه بمادتين، وبأنه لن يتمكن من التخرج والانتظار فصلا جديدا في الجامعة.

ويقول محمد الذي يدرس في إحدى الجامعات الخاصة، وتشكل دراسته عبئا ماديا كبيرا على أسرته، ما يجعلهم ينتظرون تخرجه بفارغ الصبر، "لم أكن أعلم أن تخرجي أمر في غاية الأهمية بالنسبة لأمي"، خصوصا وأنها تعلم أن دراسته صعبة وكثير من الطلبة يتعرضون لهذا الموقف.

والثلاثيني جهاد مهنا هو الآخر كانت مداعبته لزوجته في هذا اليوم لها وقعها القاسي، وكانت النتيجة مرة، إذ غادرت الزوجة البيت وعادت لأهلها.

جهاد بخفة دمه التي اعتادتها زوجته ومزاحه الدائم، أراد أن يختبر حب زوجته له من خلال "كذبة نيسان"، فأخبرها بخطبته من فتاة أخرى، وأنه يستعد للزواج منها، الأمر الذي جعل زوجته تنهار وتفقد صوابها.

ويوضح جهاد "لم أكن أتوقع أن تأخذ الموضوع على محمل الجد، فهي معتادة على مزاحي"، واصفا الوضع النفسي السيئ الذي سيطر على زوجته في تلك اللحظة، فلم تصدق أنها مجرد كذبة نيسان وتركت البيت والدموع تملأ وجهها من خيانة الزوج.

بيد أن كذبة العشرينية مها داوود حملت معاني الفرح والانبساط، إذ أثار إعلانها عن خطبتها على صفحة فيسبوك بهجة صديقاتها اللواتي انهلن عليها بالتهاني والتبريكات، خصوصا أنها ألحقت الخبر بصورة وهي ترتدي خاتم الخطبة.

والأول من نيسان (إبريل) يعد يوم المقالب والكثير من الأكاذيب اليضاء، وهي عادة انطلقت من فرنسا وانتشرت في العالم، باستثناء ألمانيا وإسبانيا.

وشهد هذا التقليد السنوي الذي انتقل إلى بلداننا العربية، وشاع في العالم أجمع، بداياته في القارة العجوز، وتحديدا فرنسا.

والفضل يعود إلى الملك شارل التاسع في القرن السادس عشر، الذي تبنى التقويم المعدل في الأول من نيسان (إبريل) قبل أن يتراجع عنه.

وفي اليوم نفسه من العام التالي، أطلق الفرنسيون موجة إشاعات كذبوها في نهاية اليوم، وهكذا تحول الكذب إلى تقليد سنوي مشرّع ليوم واحد فقط.

بدوره يشير اختصاصي علم الاجتماع في البلقاء التطبيقية الدكتور حسين الخزاعي إلى أن "كذبة نيسان" هي "خدعة ومزحة" تمارس في مطلع شهر نيسان (إبريل) من كل عام وهي موروث ثقافي وشعبي وتقليد أعمى تناقله الأبناء عن الأجداد، واعتبره الكثيرون من المسلمات، بدون إخضاع هذا السلوك الاجتماعي إلى الرفض وعدم القبول، لاسيما وأن الكذب قيمة اجتماعية مرفوضة ومنفرة في المجتمع.

الستيني حسين خليف يأخذ موقفا معاديا لهذا اليوم، وخاصة بعد أن تعرض لكذبة من ابنه أفقدته صوابه، إذ يقول "لم أتمالك أعصابي عندما قال لي ابني بأنه عمل حادث بسيارته الجديدة الباهظة الثمن و"شطبها"، لافتا إلى أنه لم يستطع القيام بشيء سوى طرده من المنزل أسبوعا كاملا بعد أن عرف أن ما قام به مجرد "كذبة نيسان".

والكذب هو كذب مهما كان نوعه أو وقته في رأي اختصاصي علم النفس الدكتور موسى مطارنة، الذي يؤكد أن الكذب يلحق أذى كبيرا بنفسية من يسمعه، واصفا من يطلقون "كذبة نيسان" بـ"عديمي المسؤولية ومستهترين ويندفعون إلى الكذب دون الشعور بقيمة ما يقومون به أو التفكير بعواقبه".

ويرى مطارنة أن المداعبة يجب أن لا تتجاوز حدود الشيء المضحك، وأن الكذبات الكبيرة تتسبب في كثير من الأحيان في فقدان أشخاص، رافضا اعتبار "كذبة نيسان" مزاحا، لأنها تجاوزت حدود المداعبة. ويقول "لابد من إعادة النظر في هذا النوع من الكذب الذي يسبب الإزعاج والألم للآخرين، فمدخلات كذبة نيسان وعمقها النفسي سيئ جدا، لأن النقاء والصفاء يتضاربان مع الأمل".

والكذب غير المحسوبة عواقبه، وفق مطارنة، يتم من شخصية متهورة لا تقدر أولوياتها ومسؤولياتها تجاه المجتمع ومن حوله، مؤكدا أن الكذب عملية إسقاطية تؤثر على الآخرين وتسبب كوارث أسرية ونفسية.

مها محمد وفي كل مرة تنطلي عليها كذبة شقيقها في الأول من نيسان (إبريل)، إذ يلعب معها على وتر زيادة الرواتب الحكومية، وهو ما يجعلها تفرح لفترة قصيرة تدرك بعدها بأن ما حل عليها هي الكذبة ذاتها التي تفرحها في كل عام. 

ويعزو الخزاعي انطلاء الكذب على الناس في كل مرة إلى انشغالهم بالأمور الحياتية الكثيرة ومطالبها التي تعقدت، الأمر الذي أدى بهم إلى نسيان عد الأيام أو الأشهر أو الساعات.

ويمارس بعض الأصدقاء، كما يقول الخزاعي، المزاح أو الكذب في هذا اليوم مع أصدقائهم، الذين يعرفون جيدا ماذا ينتظر كل واحد منهم أو ما طموحاته، لذا يبادرون إلى إبلاغهم عن أشياء ينتظرها كل واحد منهم، لهذا ينجح "المزيحة" بتمرير مزحاتهم إلى أصدقائهم الذين يستقبلون الكذبة بفرح وسرور وبهجة وينسون أن الموضوع كله "خدعة نيسان" أو مزحة من صديقهم، لتبدأ بعدها سلسلة المعاتبات جراء هذه الخدعة. 

وهناك أفراد في المجتمع، بحسب الخزاعي، منغمسون في أعمالهم والبحث عن لقمة العيش، وينسون تلك المناسبة، فيقعون في صدمة الواقع، مؤكدا على أهمية أن تبنى العلاقات المجتمعية على الصدق والمحبة والتعاون والشفافية والوضوح.

وهذا ما يذهب إليه مطارنة، إذ يلفت إلى أن المجتمع الذي نعيش فيه لا يحتاج إلى مثل هذه الكذبات، وإنما بحاجة إلى ما يريح أعصابه ويفرح قلبه، لاسيما في زمن الحروب والجرائم والكوارث الإنسانية التي تحيط به.

ويؤكد الخزاعي ضرورة تجنب المزاح في هذا اليوم مع "كبار السن، أو المرضى أو الأصدقاء المعروفين بالعصبية والنرفزة السريعة أو سليطي اللسان الذين يطلقون الكلام الجارح"، خشية ردة فعل هذه الفئة من الناس.

وتظل "كذبة نيسان"، من وجهة نظر الخزاعي، سلوكا اجتماعيا خاطئا وممقوتا ومرفوضا دينا وعقلا وشرعا حتى لو كان من باب المزاح، محذرا من التفنن في اختراع الكذب وتداوله وبخاصة أنه قد يلحق الأذى والضرر والصدمة لبعض أفراد المجتمع.

ويطالب الخزاعي بضرورة محو "كذبة نيسان" من الوجدان، حتى لا يتوارثها الأبناء والأحفاد كما توارثناها منذ القدم، خصوصا وأن البعض للأسف يتباهى في ممارستها.