.. أربع عمليات عسكرية أطلقها النظام التركي في عمق الاراضي الحدودية السورية بدأت بعملية درع الفرات تلاها غصن الزيتون ثم نبع السلام وآخرها درع الربيع، هذه العمليات العسكرية تلتقي عند العديد من المشتركات التي تقدم تصورا للماهية الحقيقة لهذه العمليات وأهدافها غير المعلنة.
الهدف العام والمعلن من أنقرة هو إنشاء منطقة آمنة على الحدود بعمق داخل الأراضي السورية، برغم أن العمليتين الاولى والثانية انطلقتا تحت عناوين إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية ومقاتلة تنظيم الدولة إلا أن الباعث الحقيقي لهما هو التمهيد للعمليات التالية والتي تهدف إلى تنفيذ فكرة المنطقة الآمنة بالرؤية والتصور التركي، وفي التالي أهم مشتركات العمليات العسكرية التركية:
غياب المشروعية القانونية لكل تلك العمليات وعدم وجود المسوغات التي تمنح أردوغان الحق بشنها على دولة جارة ذات سيادة مع ملاحظة أن جميع العمليات تمت داخل الحدود السورية وبأعماق كبيرة بما يضفي صفة العدوانية والاحتلال عليها .
لم تشن تركيا عمليات منفردة وإنما بشراكة مع الجماعات الارهابية المرتبطة بها والتي أدرجت تركيا قسما من تلك الجماعات لاحقا ضمن ما يسمى المجلس الوطني وأضفت عليها المشروعية في التحرك ومنحتها الأسماء والأوصاف اللازمة لذلك .
هدف حقيقي قريب هو عمليات إحلال للجماعات والفصائل الإرهابية المرتبطة بتركيا محل السكان الأصليين ضمن تغيير ديمغرافي واسع يقوم به النظام التركي وهو المشترك الأخطر .
هدف حقيقي متوسط المدى يتمثل بعمليات إحتلال وسيطرة على مناطق ضمن الحدود السورية بأعماق تصل لعشرات الكيلومترات داخل الاراضي السورية فيما يظل الهدف الاستراتيجي من ذلك هو استقطاع وسلخ أجزاء كبيرة من الاراضي السورية وضمها للدولة التركية كما حصل سابقا بلواء اسكندرون وغازي عينتاب وديار بكر السورية .
كل هذه العمليات تأطرت ضمن الأخطاء الاستراتيجية لأردوغان ونظامه، وإن كان ثمة انجازات ومكاسب حققها من تلك العمليات فهي لا تتعدى عن كونها مكاسب مرحلية، تلاشت مع التطورات اللاحقة والتي تشكلت وفق عوامل عدة في مقدمتها تدحرج الانتصارات التي يحققها الحيش العربي السوري وعمليات التحرير والتطهير والسيطرة لمساحات واسعة من الاراضي السورية التي كانت خارج سيطرة الدولة السورية، لكن العامل الآخر وهو الأهم هو متوالية الأخطاء التي ارتكبها أردوغان ونظامه خلال الفترة الواقعة بين ٢٠١٦ وانطلاقة اول عملياته العسكرية العدوانية على الدولة السورية فيما يسمى بعملية درع الفرات وحتى العملية الأخير المسماة بدرع الربيع، ويمكن إجمال أهم تلك الأخطاء في التالي:
أخطأ أردوغان حينما اعتمد على الارهاب في تحقيق أطماعه ومصالح نظامه ، وهذا الخطأ وما ترتب عليه من سياسات ودعم للارهاب أوصل تركيا إلى معارك احتلال في الاراضي السورية ما يؤكد سياسات أردوغان الاحتلالية عبر الاستثمار الكبير بورقة الارهاب.
أخطأ أردوغان حينما رفع شعار صفر مشكلات في الوقت الذي تحولت كل ممارساته خاصة في سياساته الخارجية الى استعداء للعالم، ليقلب صورة تركيا من دولة علمانية إلى دولة تمتهن الاسلاموفوبيا ودولة منشئة للارهاب وداعمة له عالميا.
أخطأ أردوغان عندما فكر بالتآمر على دولة جارة وضعت كل خلافات التاريخ جانبا وأقامت علاقات جيدة على كافة الصعد هذه هي الدولة السورية، وما هو أعظم هو أن الباب الذي فتحته سوريا لتركيا باتجاه المزيد من العلاقات التركية العربية أقفل بهذا التآمر .
أخطأ أردوغان حينما اعتمد على النهج العسكري وفكر بعمليات عسكرية بحجة محاربة تنظيم الدولة الابن المدلل لأردوغان وذو النشأة والرعاية التركية، مما دفعه لمقامرات كبرى كلفته المزيد من السقوط داخليا وخارجيا.
أخطأ أردوغان حينما توهم أن باستطاعته اجتياح الاراضي السورية مستهينا بقدرات الجيش العربي السوري، مخطئ في تقييمه لتلك القدرات السورية .
أخطأ أردوغان حينما نصب نفسه ندا للروسي، ورفع سقف مطالبه معه حينما حررت الدولة السورية المناطق المتفق عليها باتفاق سوتشي٢٠١٨ ، ليصعد ويهدد أمام الروسي بعمليات عسكرية ويبدأ بإعطاء المهل الزمنية لينتج عن ذلك انكسارات تركية وانهيارات كبرى في صفوف قواته النظامية وأدواته الارهابية، واليوم يستجدي أردوغان روسيا من جديد.
أخطأ أرودغان حينما حاول استمالة الرغبة الاسرائيلية عبر استهدافه لقوات ايرانية في سوريا، ولولا الحكمة وضبط النفس من قبل ايران لكان أردوغان في وضع لا يحسد عليه عبر جره لنسفه لمعركة أخرى مع الايراني .
أخطأ أردوغان بتهديده للأوروبيين بورقة اللاجئين وسلسلة الابتزازات الطويلة بهذه الورقة، في حين انقلبت تلك التهديدات والابتزازات وبالا عليه بمواقف أوروبية تعارض الرغبة التركية وترفض التهورات التي يمارسها أردوغان.
أخطأ أردوغان بانتهاج سياسة المراوغة والانفكاك من الاتفاقات والتعهدات مع الاطراف الدولية خاصة الحليفة له، ما دفع أطرافا كأمريكا وأوروبا التخلي عنه وتركه وحيدا أمام العديد من المحطات.
أخطأ أردوغان حينما فكر أن بإمكانه إعادة الامبراطورية العثمانية عبر انتهاجه لسياسات خاطئة واستعانته بأدوات مدمرة له قبل غيره، بينما الزمن تجاوز كثيرا تلك الاحلام العثمانية التي لم يعد لها مكان سوا في مخيلة أردوغان وأوهامه القاتلة له ولنظامه.
ولست بحاجة هنا الى ان أورد أخطاء الرجل على مستوى سياساته الداخلية، لأنها بحاجة الى مقال آخر نفرد فيه أخطاءه الجمة والتي ما تزال تداعياتها وأصداءها التدميرية مستمرة حتى هذه اللحظة .
بوتين وعبر اجتماعه المرتقب مع أردوغان يسعى للوصول الى ترتيبات أمنية جديدة تعالج العديد من النقاط وتثبت الانتصارات في الميدان ولا تستبعد مواصلة الحرب على الارهاب وتستجيب لقلق كل الاطراف بما فيها الاوروبي فيما يخص موضوع اللاجئين، لتقف موسكو أمام استحقاق إعادة التوازن للمصالح مع كل الاطراف .
وهنا سياسة بوتين لا تقف عند المغامرة بخسارة ما حققه مع جميع الاطراف المعنية بالمشهدية القائمة في سوريا، وعلى الرغم من الورطة التي أوقع أردوغان فيها نفسه ونظامه وحاجته لمن ينزله من على الشجرة، يرى بوتين في الحفاظ على ما تبقى من ماء وجه الرجل حاجة ورغبة روسية لحماية ما يعتبر مصالح قائمة مع نظام أردوغان التركي على الأقل في المرحلة الراهنة، وأولى الخطوات الروسية في هذا السياق هو تثبيت وقف اطلاق النار، وانشاء منطقة آمنة في ادلب لا وجود للإرهابيين فيها .
فهل يتعلم أردوغان من أخطائه السابقة؟.. أم أن العقلية التركية مقيدة بعقيدة الانتحار على عتبات الأخطاء المتلاحقة؟!