عداد الخسائر التي منيت بها الاقتصادات العالمية جراء الانتشار السريع والمروّع لفايروس كورونا الجديد، لا يتوقف عن الدوران ... تفاوت الأرقام الدالة على فداحة هذه الخسائر، عائد بالأساس لاختلاف تواريخها، فمع كل يوم يمضي، تتضاعف الأرقام وتزداد الصورة «كارثيةً».
الأسواق العالمية كانت الضحية الأولى والأبرز لـ»تسونامي كورونا»، بالنظر لفرط حساسيتها، والحديث يدور عن ستة ترليونات من الدولارات، هذا المبلغ كان تضاعف في غضون أسبوعين اثنين فقط، صعوداً من ثلاثة ترليونات دولار ... صناعة النفط، تصديرا واستهلاكاً وانتاجاً وأسعاراً، كانت بدورها ضحية كبرى أخرى لانتشار هذه الفايروس اللعين ... انهيار سعر البرميل بما يقرب من عشرين دولاراً، يعني من ضمن ما يعني، أن موازنات دول، تكون قد تلقت أكبر صفعة لها منذ أكثر من عقد من الزمان، وأن عجزها في بعض الدول العربية المنتجة للنفط، سيتضاعف إن امتد الحال أو بقي على هذا المنوال.
قطاع السياحة والسفر بلغت خسائره أكثر من 120 مليار دولار، والحبل على الغارب، مع تزايد أعداد الدول «المضروبة» بهذا الفيروس، واستمرار حكوماتها في تشديد إجراءات السفر والتنقل والدخول والخروج، داخل الدولة ومع الدول الأخرى ... مطارات العالم باتت بيوت أشباح، وشركات الطيران مهددة بإشهار إفلاسها بدءاً من الشركات الصغرى، وعشرات ألوف العاملين في هذا المرفق، تبدو وظائفهم مهددة عمّا قريب.
حتى دور السينما وصالات الترفيه، طالها الفيروس سريع الانتشار بتأثيراته، إذ فقدت هذه الصناعة أكثر من أربعة مليارات دولار من عائداتها ... أما أكثر الأشخاص ثراء في العالم، وهم حفنة قليلة على أية حال، فقد فقدوا من دون أن يكون لهم يد، ما يقرب من نصف ترليون دولار بين عشية وضحاها، وفقاً لمؤشر بلومبيرغ.
كارثة اقتصادية حلّت بالدول المنكوبة بالفيروس، وتلك التي تنتظر، وما بدلت تبديلا .... لكن للكارثة وجوهاً اجتماعية وسياسية لا تقل خطورة، فثمة ملايين البشر يعيشون في حجر صحي مضروب على مدنهم وبلداتهم، وثمة عشرات ألوف الأفراد، محتجزين في غرف العزل المنزلي أو في المستشفيات، ولولا وسائط الاتصال والتواصل الاجتماعي لتقطعت السبل بملايين الناس.
سياسياً، أنعش الانتشار السريع للفايروس الغامض والقاتل، «نظرية المؤامرة» من جديد، هناك من يعتقد أنها حربٌ جرثومية شنتها الولايات المتحدة على الصين في سياق حربهما التجارية، وضد إيران في سياق عدائهما المستحكم ... لكن انتقال المرض إلى قلب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وعلى نحو كارثي في إيطاليا، خفف من غلواء أصحاب هذه النظرية، التي ما زالت تفعل فعلها، وتجد من يؤيدها.
الفايروس الخبيث والذكي، يهدد حكومات وإدارات بالانهيار إن هي فشلت في التصدي له ومنع انتشاره واحتواء نتائجه على الاقتصاد والمال والأعمال ... من بين هؤلاء دونالد ترامب شخصياً، الذي أظهر كعادته، خفّة واستخفافاً بالمسألة في بدايتها، قبل أن يمتطي الموجة، ويكلف نائبه بمتابعة الأمر، ويرصد أكثر من ثمانية مليارات دولار لاحتواء الكارثة قبل وقوعها.
الحال يطاول حكومات وحكاما آخرين، سيما في الدول الديمقراطية، فالتقصير في مواجهة «الجائحة» يعني وجوب الرحيل، وإن بعد حين، وهذا سبب إضافي لوضع الجميع في سباق محموم مع الزمن للتصدي للخطر المحدق.
وحدهم أهل غزة، ربما يشكرون الحصار المضروب عليهم لأول مرة منذ ثلاثة عشر عاماً، فلا أحد يدخل القطاع ولا أحد يخرج منه، وهذا سبب ربما للطمأنينة بأن الفيروس اللعين، لن يضيف عبئاً جديداً فوق أعبائهم القديمة.