مرةً أخرى، يؤكد فيروس كورونا أن العالم مجرد قرية كونية صغيرة، ومرةً أخرى أيضاً، يتأكد مدى خطورة الإعلام والانخراط الواسع بالتفاعل بما توفره شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي. ليس جديداً الحديث عن حروب بيولوجية وهي حروب تنطوي على مخاطر واسعة نظراً لأن الفاعل لا يقدم نفسه ولا يعلن شن مثل هذه الحرب وأهدافها، فمثل هذه الحروب يظل أمر قرارها بأيدي حفنة قليلة من المخططين.
الفيروس هو الآخر ليس جديداً ظهوره بعد أن تم اكتشافه العام 2002، وبالتالي فإن اللقاحات المضادة متوفرة لكن الحديث يدور عن «كورونا» متجددة طورت نفسها على نحو خطير. الأعراض التي ترافق الإصابة بهذا الفيروس تشبه إلى حد كبير أعراض الإنفلونزا ولذلك يختلط الأمر على الناس، ويستهتر بعضهم في مراجعة الأطباء إلى أن يمضي ضحية الإهمال.
هذا الفيروس أحدث إرباكاً حقيقياً شديداً لم تنج منه أي دولة، وهو ينتشر بسرعة شديدة ويقيد حركة الناس والمرافق الصحية والاقتصادية والتجارية والسياحية والنقل والمواصلات، وحتى أنه يرغم المؤسسات الرياضية المحلية والدولية والقارية على إلغاء برامجها المعدة منذ زمن.
إذا كان العزل والانعزال هو أحد أبرز الإجراءات الوقائية، فإن ذلك لا يمكن أن يمر دون أثمان باهظة تكلف الدول عشرات وربما مئات مليارات الدولارات. أي سلاح هذا الذي يؤدي إلى وقف النشاطات والصلوات الدينية والمسيرات التعليمية، ويؤدي إلى شل حركة الطيران والتواصل بين الدول؟ قد لا يملك المرء معطيات أو معلومات تؤكد الأبعاد العالمية والدوافع لهذه الحرب حتى اللحظة على الأقل، لكن القرائن تشير إلى صاحب المصلحة. قبل أن يتهم مسؤول صيني الولايات المتحدة بنشر هذا الفيروس في أهم منطقة صناعية صينية وهي مقاطعة ووهان، سرت بين أوساط الناس عموماً، وفي المنطقة العربية والشرق الأوسط خصوصاً، تكهنات بأنه لا يمكن لغير الولايات المتحدة من يستطيع أن يجرؤ على فعل ذلك.
تعتمد تلك التكهنات على جملة من العوامل، أولها أن إدارة الرئيس ترامب أظهرت سياسة عدوانية منذ اليوم الأول لدخولها مربع العمل الرسمي، وركزت حربها على الأمم المتحدة ومؤسساتها وأعلنت أنها لن تخوض حروباً من أجل الآخرين، إلا إذا تحملوا التكاليف مع الفوائد.
السياسة التي يديرها ترامب حتى فيما يتعلق بحلفاء الولايات المتحدة، ونقصد الدول الرأسمالية، اتسمت بالأنانية وباستغلال حاجات ومصالح الآخرين. بالنسبة للقضية الفلسطينية وكل ما يتعلق بالصراعات في منطقة الشرق الأوسط، فإن السياسة الأميركية لا تحتاج إلى شرح أو بيان من حيث تقديم الدعم الكامل للحركة الصهيونية وإسرائيل وزرع بذور الصراع والحروب بزعم الحاجة لفرض السلام.
العامل الثاني يتصل بامتلاك الولايات المتحدة الإمكانيات لخوض هذه الحروب وتحطيم الاقتصاد العالمي ولوقف التقدم المتسارع للصين، التي تقترب من منافسة الولايات المتحدة على موقع القوة الأولى على الصعيد الدولي.
الصين جندت إمكانيات ضخمة لمحاصرة الفيروس، وتقول، إنها نجحت في ذلك وهي تعرض خدماتها على دول أخرى للاستفادة من التجربة. فيما بعد سيتضح المتسبب في نشر هذا الفيروس، ولكن بعد أن يكون أطاح باقتصادات العديد من الدول خاصةً النامية، وتعتقد الولايات المتحدة أنها بذلك ستنجح في إعادة بناء المنظومات الاقتصادية والتجارية الدولية بما يمكنها من إبطاء حركة الصين وغرز أظفارها وأنيابها في الاقتصاد والثروات العالمية.
فالواقع أنه لا توجد حروب نظيفة في هذا الزمان، سواء أكانت حروب اقتصادية أو بيولوجية أو حربية. وفق هذا المنظور أعتقد أن الولايات المتحدة هي الخاسر في هذه الحرب، وأن فضح المستور من شأنه أن يطيح بالرئيس ترامب خلال الانتخابات التي ستجري في نهاية هذا العام.
الفلسطينيون انتبهوا لضرورة الإسراع بمواجهة هذا الفيروس وبدأ ذلك بإعلان الرئيس حالة الطوارئ وتجنيد كل إمكانيات السلطة لمحاصرته، وقد نجحت حتى الآن في محاصرة الفيروس إلى أضيق مجال. المؤسف حقاً أن يكون التعامل مع هذا الفيروس عنوانا آخر يشير إلى وجود الانقسام واختلاف المواقف على نحو معلن، وكأن الناس نسيت ذلك.
التصريح الأول الذي صدر عن بعض الجهات «الرسمية» في غزة، عبر بصورة مباشرة عن رفض الالتزام بمرسوم الرئيس، ولكن سرعان ما تعاملت المؤسسات والناس مع ذلك المرسوم، ابتداءً من الجامعات بما في ذلك الجامعة الإسلامية.
الحمدلله أن غزة حسب الإعلانات المتكررة خالية حتى الآن من الإصابة بهذا الفيروس، لكن الحذر والاحتياط واجب، وواجب أيضاً تضافر كل الجهود الوطنية لضمان محاصرة الفيروس في الضفة الغربية والقدس.